إشكالية الإعلام التوعوي العربي
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الأربعاء 28 سبتمبر 2022 - 8:30 م
بتوقيت القاهرة
فى كل نظام أو حقل إعلامى توجد أولويات أو جوانب مفصلية توعوية وتثقيفية عند تعاملها مع أحداث أو مشاكل مجتمعاتها، فهل تنطبق هذه البديهية على تعامل الإعلام العربى مع ما يجرى فى مجتمعاته العربية؟
هذا سؤال بالغ الأهمية ويحتاج مجلس وزراء الإعلام العرب أن يناقشه وأن يتخذ قرارات عملية لتصحيح أى خلل فى التعامل معه من قبل وسائل الإعلام العربية. كما تحتاج أن تناقشه المؤسسات الإعلامية المشتركة العربية لإجراء إصلاحات ذاتية حيثما يوجد خلل.
دعونا نشاهد أو نقرأ أو نستمع إلى الكثير من وسائل الإعلام العربية الرسمية أو الخاصة، فسنجد فرقا هائلا بين ما يعطى من تغطية أو تفصيل أو وقت أو تحليل ما يجرى فى أوكرانيا، أو ما يحدث من مناكفات ومناقشات فيما بين أمريكا والصين، أو حتى ما يحدث من مناسبات محلية بحتة ككرنفال دفن ملكة بريطانيا المتوفاة أو تسابق قادة حزب المحافظين البريطانى على استلام قيادته، أو التلاسنات فيما بين الحزب الديمقراطى والحزب الجمهورى الأمريكيين.. بين أحداث خارجية مثل تلك وبين ما يعطى من وقت وتغطية وتحليل لما يجرى على سبيل المثال فى فلسطين المحتلة أو سوريا أو العراق أو تونس أو لبنان أو اليمن أو السودان أو المغرب، بل أى قطر عربى.
لنطرح الأسئلة التالية: هل ما يحدث فى أوكرانيا أو فيما بين أمريكا والصين أو ما يحدث فى إنجلترا أهم مما يحدث فى الوطن العربى، وأن تأثيرات مشاكل الآخرين على مستقبل هذا الوطن العربى أكبر وأكثر خطرا من تأثيرات مشاكل الوطن العربية المحلية والإقليمية والقومية؟ وهل المطلوب هو أن يكون وعى المواطنة والمواطن العربى لمشاكل العالم أعمق وأقوى من وعيه لمشاكل الوطن؟ وهل أن مسئوليات الإعلام العربى هى نقل المعلومات وتحليلها فقط، أم أن لديه مسئوليات قيمية وأخلاقية ووطنية وقومية، خصوصا بشأن بلاد العرب المنكوبة المبتلاة حاليا بأعداء الخارج والداخل؟ وهل قرر المسئولون عن الإعلام العربى أن لا مكان فيه للداعية أو المثقف العضوى الملتزم بقضايا أمته والمناضل من أجل التغيير والإصلاح؟
بل دعونا نطرح السؤال الإنسانى الذى طرحه الشاعر الأمريكى ت. س. إليوت: أين الحكمة التى أضعناها فى المعرفة، وأين المعرفة التى أضعناها فى المعلومات؟
ثم إننا الآن أمام إشكالية إعلامية عربية وعولمية كبرى تتمثل فى الإعلام الجماهيرى التواصلى عن طريق الوسائل الإلكترونية الذى يخيط ويبيط ويؤجج كل مشاعر اليأس والبؤس القيمى، ويحتاج إلى أن يواجه بإعلام موضوعى متوازن يحارب نواقصه وشطحاته، فمن سيقوم بذلك؟ أليست هذه مهمة جديدة وضرورية من مهمات الإعلام الكلاسيكى؟ فإذا كان هذا الإعلام السائد يفضل الدروب السهلة والمواقف المريحة التى لا تغضب ولا تختلف مع أحد فمن سيوقف السيل العرم من الأكاذيب والتجاذبات والمشاحنات التى تملأ وسائل التواصل الاجتماعى العربى؟ ذلك أن المؤسسة الرسمية السياسية والمدرسية والجامعية والدينية قد تخلت عن كل تلك المهمات الإعلامية التصحيحية وتبنت شعارات الثقافة العولمية المتخلية عن الالتزامات المجتمعية والتضامن الإنسانى المجتمعى، الثقافة المفتونة بالحرية المطلقة الفردية، طالما أنها لا تزعج أقليات الحكم وأقليات المنافع المالية. فإذا أضيف إلى كل ذلك تخلى المؤسسة الإعلامية الرسمية والخاصة عن مهماتها التوعوية ومسئولياتها الوطنية والقومية، فما مصير السلم الأهلى العربى وتماسك الهوية العروبية الجامعة والوقوف فى وجه الاستعمار والصهيونية المتخفيين وراء ألف حجاب؟
موضوع الإعلام العربى أصبح موضوعا ثقافيا محوريا فى الحياة العربية بحيث أن أى علل فيه ستنعكس سلبا على الأمة وتنقلب إلى فواجع كبيرة تعيق النهوض العربى والخروج من حالة الضياع الفكرى والنفسى الذى تعيشه مجتمعات الوطن العربى حاليا وتعيشه على الأخص ملايين الشابات والشباب العرب.