حبك نار
محمود قاسم
آخر تحديث:
الجمعة 28 أكتوبر 2022 - 6:53 م
بتوقيت القاهرة
هذه هى المرة الثانية التى نكتب عن هذا البرنامج الإذاعى الذى يقارن بين السينما والدراما، ويستضيف أساتذة أكاديميين المفروض أن معرفتهم بالموضوع الذى يناقشونه متكاملة، لكن الأمر يحتاج ردا من أجل تزويد القارئ بالمعرفة الصحيحة، إضافة إلى معلومات البرنامج الموضوع يخص مسرحية روميو وجوليت لويليام شكسبير التى تم تحويلها إلى أفلام كثيرة جدا فى السينما منها على الأقل خمسة عشر فيلما مصريا، وفى السينما العالمية كانت هناك أفلام يتم تغيير ثوبها فى إطار حدوتة روميو وجوليت عن العاشقين الصغيرين الذين ينتميان إلى عائلات متخاصمة فيصبح الحب مستحيلا وينتهى غالبا بالموت من هذا الإطار قام روبرت وايز بإخراج فيلمه (قصة الحى الغربى عام 1961) وهى المعالجة التى اقتبس المصريون عنها فيلم بنفس الاسم إخراح حسين عمارة عام 1978 حيث دارت الأحداث فى إطار استعراضى داخل المدن الكبرى ثم جاء فيلم (روميو وجوليت) الأسترالى إخراج باز ليومان فى أواخر القرن الماضى بطولة ليوناردو دى كابريو باسم روميو وجوليت وهو فيلم نقل الأحداث إلى مدينة فيرونا الإيطالية من القرون القديمة إلى القرن الماضى فاتسمت أحداث الفيلم بعنف شديد فى داخلة قصة رقيقة بين الحبيبين الصغيرين وكان الفيلم قراءة مختلفة عن رومانسية القرن الماضى مع الاحتفاظ بالخطوط العامة لمسرحية ويليام شكسبير عدا مسألة تناول السم وموت العاشقين، هذا الفيلم أخرجه إيهاب راضى عام 2004 من بطولة مصطفى قمر ونيللى كريم، وللأسف الشديد فإن البرنامج الذى استمعت إليه قام فيه الأستاذ الأكاديمى بتحليل الفيلم المصرى ومقارنته بمسرحية شكسبير دون أن يذكر بالمرة الفيلم الأسترالى وهذا أمر يختلف تماما عن تحليل المضمون أو النص وتجاهل الوسيط الذى أصبح فى هذه الحالة أساسا، فلا يمكن مثلا أن نفهم ذلك العنف الشديد والقتل المتضخم دون الرجوع إلى الفيلم الأسترالى، مثلما لا يجب مقارنة الفيلم المصرى قصة الحى الغربى بمسرحية شكسبير دون رؤية أو فهم ما فعله وايز فى فيلمه الذى حاز على العديد من جوائز الأوسكار.
الأمر هنا بعيد كثيرا عن الاقتباس فالمهم فى الفيلم الأسترالى أن الأحداث تدور فى مدينة فيرونا الموطن الأصلى لكل من روميو وحبيبته، لقد تغيرت المدينة واتسعت للغاية وصارت أشبه بالمدن المتوحشة، هى ليست أبدا مدينة عواطف وحب وهذا ما يكشف عنه الفيلم أن العشيقين سوف يتحابا مغلفين بالرصاص القاتل ومطاردات السيارات والتوحش ثم الموت، هنا لا يوجد حب مثل الذى نعرفه فى المسرحية الأم ولكنه امتلاك من طرف رجلين يحاولان الاستحواذ على جوليت الجميلة لدوافع اقتصادية وإشباع لرأس المال، فى الفيلم الأسترالى هناك مواجهات شرسة بين أصدقاء روميو وخصومة حتى وإن حاول الفيلم صبغه العاشق بأنه مسالم ولا يحب العدوان وأنه قتل خصمه دفاعا عن نفسه بعد الكثير من الاستفزاز.
كم كنت أتمنى لو أن الأستاذ الأكاديمى قد شاهد الفيلم الأسترالى كى تكون المقارنة فى محلها، وتلك هى المصيبة أن المعدة والمخرجة هى أيضا أستاذة جامعية وأنها حين تحمست لمثل هذا الموضوع أنها قد ألمت بالموضوع أو على الأقل أن تكون قرأت كتابى الاقتباس فى السينما المصرية بطبعاته المتعددة وفيه أسماء كافة الأفلام المصرية التى أخرجت عن روميو وجوليت بتنويعات كثيرة ومنها شهداء الغرام لكمال سليم عام 1944 وورد الغرام لبركات 1952 والعلمين لعبدالعليم خطاب 1965 وكان آخرها فيلم الغرفة 707 عام 2007 وغيرها، من المهم عن تناول هذا النص أن نتعرف على المخرجات أى الاقتباس عن الاقتباس فلا شك أن فيلم قصة الحى الغربى الأمريكى قد تنحى كثيرا عن المسرحية الأم لكن لا شك أن هناك تماسكا، وذلك حدث بدرجة ما فى فيلم باز ليومان الذى اتسم هنا بالاسم الحقيقى للمسرحية بل إنه فعل شيئا أقرب إلى المعجزة؛ حيث إن حوار الفيلم كان هو نفسه الصياغة الشعرية الشكسبيرية القديمة كما فى النص وهنا أتت أهمية فهم التقارب والتباعد بين الفيلم والمسرحية، لكن حبك نار الذى دارت أحداثه فى الإسكندرية من خلال عائلات جاءت من الصعيد أخذ عن الفيلم الأسترالى أن الإسكندرية صارت مدينة متوحشة عنيفة، وبالطبع كان الحوار مصريا تماما باللغة العامية، وأود أن أذكر أننى استمتعت بمشاهدة الفيلم خاصة عنصر التمثيل وعينى نيللى كريم وخفة ظل مصطفى قمر ورقة زيزى البدراوى وحكمة سيد راضى فى واحد من الأفلام التى أثبتت أن عائلة راضى كانت حريصة دوما على تقديم سينما يمكن مشاهدتها والإطراء عليها فالمخرج إيهاب راضى قدم لنا أولى تجاربه القوية من خلال فيلم فتاة من إسرائيل وكم تمنيت لو صار فى نفس الاتجاه فى أعماله التالية.
أتمنى لو قام ضيوف هذا البرنامج بالقراءة قليلا حول المصدر أو العمل المقتبس بهدف الإفادة وحتى لا يؤكدون لنا أن الأكاديميين الآن يتحدثون ومعلوماتهم منقوصة.