رگود مستمر
صحافة عالمية
آخر تحديث:
الخميس 28 نوفمبر 2013 - 7:00 ص
بتوقيت القاهرة
كتب بول كروجمان مقالا نشر بجريدة النيويورك تايمز، تناول فيه سوء أداء الاقتصاد وميله نحو الركود، استهل الكاتب المقال بالإشارة الى أكثر الكلمات تداولا على ألسنة مسئولى النقد فى البلاد وهى «التطبيع». حيث يتفق معظم هؤلاء المسئولين، إن لم يكن جميعهم، على أن الوقت الآن غير مناسب لتقييد السياسة النقدية، وأنه ينبغى تيسير الائتمان وتخفيض أسعار الفائدة. غير أنهم يتطلعون إلى اليوم الذى يعودون فيه إلى الأوضاع الطبيعية.
ويتساءل كروجمان عما اذا كان هذا هو الوضع الطبيعى الجديد؟ وماذا إذا كانت الظروف المشابهة للكساد الاقتصادى بسبيلها للاستمرار، ليس لعام واحد أو اثنين وإنما لعشرات السنين.
ويرى الكاتب أن مثل هذه التوقعات قد يتصورها البعض متشددة، وهى كذلك فى الواقع، ولكن على نحو طفيف. وهناك عدد من الاقتصاديين قد تجذبه مثل هذه الأفكار لفترة من الوقت. وقد أصبحوا الآن تيارا سائدا. وفى الواقع، تم طرح حالة «الركود العالمي»، وهى حالة مستمرة يعتبر فيها الركود قاعدة، وتكون حالات العمالة الكاملة قليلة ومتباعدة، فى المؤتمر السنوى الكبير للبحوث الذى ينظمه صندوق النقد الدولى. وكان لارى سامرز من طرح القضية.
وإذا صح ما قاله سامرز، فكل ما يقوله الأشخاص المحترمون بشأن السياسة الاقتصادية خطأ وسوف يستمر خطأ لوقت طويل.
وقد بدأ سامرز بالنقطة التى ينبغى أن تكون واضحة، ولكن يتم إغفالها فى كثير من الأحيان: إننا تجاوزنا كثيرا الأزمة المالية التى بدأت فى الكساد العظيم. بل أنها، وفق معظم المقاييس، انتهت قبل أكثر من أربع سنوات. ومع ذلك لا يزال اقتصادنا يعانى الركود.
وتناول نقطة ذات صلة بالأمر: قبل الأزمة، كانت لدينا فقاعة ضخمة فى المساكن والديون. ولكن حتى مع هذه الفقاعة الضخمة التى تزيد الإنفاق، لم يكن الاقتصاد الكلى سيئا ولا جيدا، كانت سوق العمل معقولة ولكن ليست هائلة ولم يكن الازدهار أبدا قويا بما يكفى لإنتاج ضغوط تضخمية كبيرة.
واستمر سامرز فى طرح فكرة مهمة: فأشار إلى أن لدينا اقتصادا يعانى فى حالته الطبيعية من عدم كفاية الطلب بسبب درجة من درجات الركود على الأقل وهو لا يقترب من مستوى العمالة الكاملة إلا عندما يكون مدفوعا بالفقاعات.
ويؤكد كروجمان على ذلك بالإشارة إلى دليل آخر؛ تأمل نسبة ديون الأسر إلى دخولها. كانت تلك النسبة ثابتة تقريبا فيما بين 1960و1985، لكنها ارتفعت بسرعة وباطراد فيما بين 1985 و2007، عندما اندلعت الأزمة. ولكن حتى مع استمرار تزايد ديون الأسر، كان أداء الاقتصاد خلال الفترة ككل متوسطا فى أحسن الأحوال، ولم يظهر الطلب أى علامة على الارتفاع مقابل العرض. وفيما يتعلق بالمستقبل، من الواضح أننا لا يمكن أن نعود إلى أيام ارتفاع الدين المستمر. حيث يعنى هذا ضعف طلب المستهلكين، فكيف يفترض بنا العودة إلى التشغيل الكامل للعمالة، من دون ذلك الطلب؟
ويرى كروجمان أن الأدلة تشير إلى أن لدينا اقتصادا يعتبر الركود النسبى حالته الطبيعية، ولا يشهد حلقات الازدهار الوجيزة إلا بفضل الفقاعات والاقتراض غير المتوقع.
فما هو سبب ذلك؟ يمكن أن يمثل تباطؤ النمو السكانى إجابة. حيث يخلق النمو السكانى طلبا على المنازل الجديدة، ومبانى المكاتب الجديدة، وهلم جرا، وعندما يتباطأ النمو، يتراجع ذلك الطلب. وفى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى، ارتفع عدد سكان أمريكا فى سن العمل بمعدلات سريعة، مع تقدم مواليد ما بعد الحرب الثانية فى السن، ومع ارتفاع معدلات الزيادة فى قوة العمل لاقتحام المرأة سوق العمل. وقد تجاوزنا ذلك الآن، وحتى فى ذروة فقاعة الإسكان، لم نكن نبنى المنازل بكثرة تقارب بناء المساكن فى السبعينيات.
وربما يكون العجز التجارى المستمر، الذى ظهر فى الثمانينيات وتفاوتت معدلاته منذ ذلك الحين ولكنه لم يختف، عاملا مهما آخر.
فما أهمية كل هذا؟ ربما كان على محافظى البنوك المركزية التوقف عن الحديث عن «استراتيجيات الخروج». حيث ينبغى تخفيف السياسة النقدية، وربما يستمر ذلك لفترة طويلة جدا. وهذا، بدوره، يعنى أننا يمكن أن نتناسى كل تلك القصص المرعبة حول الديون الحكومية، التى تسير بمنطق «ربما لا تكون هناك مشكلة الآن، ولكن ما علينا سوى الانتظار حتى ترتفع أسعار الفائدة».
وعلى نطاق أوسع، إذا كان لدى اقتصادنا ميل دائم نحو الركود، فنحن فى سبيلنا للعيش وفقا لقواعد اقتصاد الكساد، حيث تكون الاستقامة عيبا والتعقل غباء، وتؤدى محاولات زيادة الادخار (بما فى ذلك محاولات خفض العجز فى الميزانية) إلى أن يصبح الجميع أسوأ حالا ــ لفترة طويلة.
واختتم الكاتب المقال بقوله: أعلم أن الكثيرين يكرهون هذا النوع من الحديث. فإنه يسيء لإحساسهم أنهم على صواب، بل احساسهم الأخلاقى. فمن المفترض أن الاقتصاد يتعلق باتخاذ الخيارات الصعبة (على حساب الآخرين، بطبيعة الحال). وليس من المفترض أن يتعلق بإقناع الناس بزيادة الإنفاق.
ولكن، كما قال السيد سمرز، فالواقع الاقتصادى مازال كما هو، ولم تنته الأزمة بعد. ويبدو أن قواعد الركود سوف تستمر لفترة طويلة جدا.