عند حافة النهر
خولة مطر
آخر تحديث:
الأحد 29 يناير 2023 - 8:50 م
بتوقيت القاهرة
جلست قريبة من ماء النهر أو البحر وكان صافيا كذاك اليوم الربيعى والسماء تزينها بعض الغيوم التى تنعكس على صفحة الماء ومن بعيد تجرى السفن أو تبطئ فى الحركة وأخرى تتوقف لبعض الوقت ربما لسرقة لحظة خاصة جدا..
• • •
تراءى لها ذاك البيت من جدارية محمود درويش :
«هذا البحر لى
هذا الهواء الرطب لى
واسمى إن أخطأت لفظ اسمى على التابوت ــ لى
أما أنا وقد امتلأت
بكل أسباب الرحيل
فلست لى
أنا لست لى»
توقفت عن تذكر بقية القصيدة أو ربما نستها وعادت لفكرة الجلوس عند حافة النهر التى حولتها هى منذ أن سمعتها من أستاذها ذاك الذى رحل سريعا وكان قد رسخ عندها بعض أفكاره مثل هذا المثل الصينى المعتق. كان يردده على مسامعها هو «الماوى» نسبة لأولئك المؤمنين بنظريات ماو تسى تونج السياسية والاقتصادية، يردده عليها كلما طعنها أحدهم أو إحداهن فى ظهرها وهم كثر!!! كان يقول لا تغضبى يا صغيرتى فحينها لم تكن قد تسلقت إلى العقد الثالث بعد، ابقى هناك عند حافة النهر وعندما كانت تقاطعه بين الغضب والضحك «ولكن لا نهر فى بلادى» يكرر عند حافة الماء وهكذا حور المثل الشائع ليعلم تلميذته أن الاساءة كما الحسنة لا بد وأن تعود إلى صاحبها ولو بعد حين. وأن أجمل ما فى البقاء عند حافة الماء هو أن ترى عدوك أو من أساء لك جثة طافية فوق سطحه..!!!
لم تكن ترغب فى رد الأذى بأذى شبيه، لم تكن تؤمن بالعداء للآخرين أو تخزين العداء ولكنها ومع الوقت وكثرة البشر الذين مروا بحياتها العملية أو العائلية أو الشخصية من صداقات وعلاقات، آمنت أنه من العدالة أن لا يمر السيئون دون عقاب فهم كمروجى المخدرات وغاسلى الأموال والقتلة والذين يحترفون التعذيب فى السجون، جميعهم متشابهون فى الظلم والسواد والأنانية والاحتقار للنفس البشرية.. نعم قال لها إن من يقوم بمثل هذه الأفعال هو شخص «ناقص» هكذا أطلق عليه. ولم يكن بالطبع يقصد ناقص عقل ودين كما يقال ويشار للنساء فى أوطاننا العريقة!!! بل كان يعنى أن به ندبة نفسية عميقة أما كثير من الإحساس بالنقص الذى لا تعوضه شهادات الكون الجامعية ولا المناصب والمراكز ولا الجمال الخارق لدى النساء ولا شدة الإعجاب بهن وسحرهن لكثير من الرجال!!!
• • •
النقص هو ما يجعل البعض يتباهى ببضع كلمات حفظها فى كتاب أو مقالة غبية من كاتب أكثر غباء ولكنه مدع للعلم والمعرفة. والنقص أيضا لدى من كان فقيرا، رغم أن الفقر ليس بعيب إلا فى مجتمعات تمجد الفاسدين وتقهر الفقراء وتحتقرهم، أو كما قال ميخائيل زادورنوف «إنه لأمر مقزز أن تعيش فى بلد يخجل فيه المرء أنه فقير لكن لا يخجل فيه المرء أن يكون وغدا».. هو الفقير الذى استغنى فتصور أن المحبة والعلم والاحترام يشترون بكثير من المال حتى لو كان مغمسا بعرق الفقراء وتعبهم...
• • •
عند حافة الماء وقفت طويلا بعده وكانت تقول لابد وأن يكون أستاذى محقا سيمرون من هنا جثة خلف الأخرى ملونين بملابسهم من تلك الماركات الفخمة أو حتى بكثير من مساحيق التجميل والبوتكس!!! لم يمر الكثير منهم أو منهن ولم تشاء هى بعد أن كبرت وربما نضجت أكثر، بأن تراهم جثثا طافية فوق سطح الماء الصافى.. ربما لأنها تحب الماء فى كل صورة نهر أو بحر أو محيط أو بحيرة أو حتى حفرة من بقايا المطر!! فلم تشاء أن تراه يلوث بكثير من فراغهم وحقدهم وغيرتهم أو حتى نقصهم الحاد الذى تحدث هو عنه طويلا..
• • •
رددت سأبقى عند حافة الماء أراقب من بعيد النوارس التى ستبقى تحرسنى والسفن الحاملة للعاشقين بعيدا عن أعينهم والحب الذى يضفيه هذا الماء حتى لمن لم يعشقه.. سأبقى عند حافة النهر أو البحر أبحث عن فرصة جديدة للفرح وكثير من الحب والمحبة المعديين جدا رغما عنهم وعن كثير من نواقصهم.. سأبقى أقرب للماء وبالتأكيد هذا ما كان أستاذى يعنيه فى عمق ما قال وليس كما يقول المثل الصينى الذى تعلمه وحفظه بعد مشيته الفخورة بنيله لقب «ماوى»!!!
كاتبة بحرينية