ردود الفعل العربية المحيّرة

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الأربعاء 29 يناير 2025 - 8:15 م بتوقيت القاهرة

هذه الأمة مبتلاة بمواقف بعضها المحيرة، لكأن القدر قد كتب لها الدوران فى حلقة الضّعف المهين دون وجود نور فى ظلمة المستقبل المنظور.

 


خمسون ألفًا من شعب غزة المبتلاة، بما فيهم ألوف الأمهات والأطفال والكهول، يقدمون الغالى والرخيص ويواجهون الجوع والعطش والشهادة وأهوالهم ببطولة لم يشهد العالم مثلها طيلة خمسة عشر شهرًا، ويقود ذلك إلى إفشال مخططات الصهيونية وحلفائها المستعمرين لإخراج هذا الشعب من وطنه وللقضاء على مقاومته الباسلة.. وينتظر الإنسان بداهة بأن تقدّر شتّى القيادات الفلسطينية تلك التضحيات الهائلة، وتبادر فى الحال إلى اتخاذ الخطوات والاستراتيجيات التنظيمية لتوحيد قيادة هذا الشعب من أجل إكمال المسيرة الثورية التحريرية الفلسطينية لإنهاء الكابوس الذى ظل يواجهه طيلة ثمانين سنة.
كانت تلك الخطوة هى أقل ما يمكن فعله فى الحال كتكريم لأرواح الموتى وتضحيات الأحياء الهائلة، لكن ذلك لم يحدث، ولا تزال الانقسامات والصراعات عصية كما يبدو على الحل. وهو أمر لا يمكن تبريره ولا يمكن قبوله، إذ إنه من الممكن أن يعتبر كعملية طعن وكشكل من أشكال قلة المروءة والشهامة تجاه المضحين والصامدين.
ولذلك فإن من يتسبّب فى بقاء هذا الحال الانقسامى عليه أن يستقيل أو يقال، مجللًا بعار خيانة الأمانة والتهرب من المسئولية التاريخية.
لو كنت فلسطينيًا غيورًا على مستقبل وطنى الفلسطينى، ومحبًا لكل ذرّة من أرض فلسطين الحبيبة، لرأيت ذلك المنظر المؤلم بهذه الصورة المحزنة. وكذلك يفعل ويشعر كل عربى عروبى مؤمن بوحدة وطنه العربى الكبير، غيرة على هذا الجزء العزيز وشعبه الصابر وإيمانًا بحتمية زوال كابوس الاستعمار الاستئصالى الصهيونى لفلسطين.
مثل الكثيرين غيرنا، نناشد كل الإخوة القادة للفصائل ولمؤسسات الحكم ولفخر العرب المقاومين فى كل مكان ألا يضيعوا الفرصة التاريخية التى نعيشها وينتقلوا جميعًا إلى قيام وحدة قيادة تحرير فلسطين.
وكمثال ثانٍ هى مناسبة احتفالات بكائيات الهولوكوست النازى فى بلدان أوروبا والولايات الأمريكية المتحدة. أما كان أجدر بنا، العرب والمسلمين، أن نذكّر العالم كله بأن مذبحة هولوكوست أخرى فى غزة قد حدثت، وقد قام بها من يدّعون بأنهم كانوا ضحية النازية الأوروبية تحت سمع وبصر العالم كله؟ أما كان ضروريًا أن يرى العالم اجتماعات ومهرجانات عربية وإسلامية احتجاجية ضد الهولوكوست الصهيونى فى فلسطين ولبنان وقريبًا فى بلدان أخرى؟
هل هناك مناسبة أفضل من هذه المناسبة لمواجهة أمريكا وأوروبا بأنهم فى تعاملهم مع ظاهرة الهولوكوست يتصرفون بوجهين وبضميرين متناقضين: أحدهما مع اليهود الأوروبيين والآخر مع العرب الفلسطينيين؟
وكمثال ثالث، الموقف من تخاريف الرئيس الأمريكى الانحيازية مع الأقوال والمطالب والمظالم والادعاءات الصهيونية، والمنحازة ضد كل حقوق الشعب العربى الفلسطينى فى وطنه، فلسطين، وضد كل حقوق الشعوب العربية فى كل ساحة دولية. كما تصرّف هذا الرئيس الجاهل سابقًا وأعطى مدينة القدس الفلسطينية والجولان السورى للكيان الصهيونى، وكأنهما جزء من أملاكه الخاصة يعود اليوم ويتكلم هو وممثلوه عن إعطاء الضفّة الغربية الفلسطينية للمستعمر الصهيونى، وعن تهجير سكان غزة إلى بلدان عربية وإسلامية من أجل تقديم غزة بعد ذلك كجائزة للكيان الصهيونى.
كان المنتظر أنه حالما يتلفظ هذا الرئيس بكلمات التهجير أن تجتمع الدول العربية والإسلامية وتقولها مجتمعة بأنها جميعًا لن تقبل استقبال فرد فلسطينى واحد مهجّر، لكن ذلك لم يحدث، فلا الجامعة العربية اجتمعت لترد على هذا الرئيس ولا منظمة التعاون الإسلامى اجتمعت لتقول لهذا الرئيس بأن مصالح بلده ستُحارب إن تجرأ وقام بخطوة التهجير تلك.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved