انتفاضة طلابية لنصرة فلسطين
بشير عبد الفتاح
آخر تحديث:
الإثنين 29 أبريل 2024 - 6:10 م
بتوقيت القاهرة
كالنار فى الهشيم، تسرى الاحتجاجات والاعتصامات الطلابية من جامعة كولومبيا بنيويورك، لتجتاح مئات الجامعات الأمريكية والأوروبية. وبموازاة ترديدها شعارات مؤيدة للفلسطينيين، منددة بحرب الإبادة ضد أهالى غزة؛ تطالب بإنهاء الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين، وقف الدعم الأمريكى للعدوان الإسرائيلى، تجميد تعامل الجامعات الأمريكية مع نظيرتها الإسرائيلية، تعليق الاستثمارات فى الشركات التى تزود إسرائيل بالأسلحة، سحب الجامعات الأمريكية استثماراتها من الصناديق والشركات الداعمة للعدوان الإسرائيلى على غزة؛ والتى تناهز 50 مليار دولار، تستأثر جامعة كولومبيا وحدها بأكثر من 13 مليارًا منها. ثم العفو عن الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، الذين تم تأديبهم أو طردهم بجريرة المشاركة فى الاحتجاجات والاعتصامات.
أسوة بما جرى عام 1968، حينما تأثر طلاب جامعة السوربون الفرنسية العريقة، بحراك نظرائهم الأمريكيين، فانتفضوا رفضًا للاستغلال الرأسمالى، القيم الاستهلاكية، والتوجهات الحكومية المعادية للطبقات الشعبية والعمالية، انتقلت عدوى الحراك الطلابى الأمريكى الراهن إلى القارة العجوز. حيث شهدت العاصمة الفرنسية، تظاهرات مماثلة لطلاب يرفضون العدوان على غزة، وينددون بموقف الحكومة الفرنسية حِيالها؛ وتواطؤ الرئيس ماكرون، فى جرائم الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين. كما احتشد طلاب فى معهد العلوم السياسية بباريس، وكلية «ساينس بو» للعلوم السياسية العريقة، احتجاجًا على تدخل الشرطة فى الحرم الجامعى لفض التظاهرات ومنع الاعتصامات؛ ورفضًا لاعتماد السلطات «نظامًا إداريًا قضائيًا» يستهدف مناصرى الفلسطينيين، فى حين لا يطال مؤيدى إسرائيل.
دلفت حركة «غير ملتزم» المناهضة للرئيس، بايدن، عبر مطالبة الناخبين الديمقراطيين بعدم التصويت لأى مرشح رئاسى، احتجاجًا على الحرب فى غزة، إلى المشهد. معلنة انخراطها فى الحراك الطلابى؛ أملًا فى حشد الأصوات المناهضة لبايدن، فى الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطى، واستقطاب الطلاب وأعضاء هيئة تدريس من خلفيات متنوعة. خاصة بعدما استفزهم، بايدن، بتوقيعه قانونًا يتيح تقديم مساعدات بقيمة 26 مليار دولار لإسرائيل، التى غدت أكبر متلقِّ للمساعدات الأمريكية التراكمية على مستوى العالم. ولقد حصدت حركة «غير ملتزم»، أصواتًا ضخمة فى الانتخابات التمهيدية بولايات ميشيغان، مينيسوتا وهاواى؛ وفازت بعدد 25 مندوبا. كما تستعد لملاحقة، بايدن، أثناء المؤتمر الوطنى الديمقراطى بشيكاغو فى أغسطس المقبل، والذى من المتوقع أن يعلن رسميا خلاله، ترشحه لولاية رئاسية ثانية.
انطلاقا من الدور الوظيفى، الذى تضطلع به إسرائيل فى الاستراتيجية الأمريكية إزاء الشرق الأوسط؛ لم يتورع الساسة الأمريكيون عن تجاهل مبادىء الديمقراطية وقيم الحرية، التى بُنى عليها النموذج الأمريكى. كما لم يترددوا فى التغافل عن الأسس والدعائم، التى يرتكن عليها النظام العالمى، الذى لعبت واشنطن دورا محوريا فى تحديد معالمه وصوغ فلسفته، بعدما وضعت الحرب الكونية الثانية أوزارها.
فسياسيا، تبارى المسئولون الأمريكيون فى تكييل الدعم لإسرائيل، وانتقاد المتظاهرين.فبينما جدد الرئيس، بايدن، رفضه ما أسماه «الاحتجاجات المعادية للسامية»، منتقدا من نعتهم «أولئك الذين لا يفهمون ما يحدث مع الفلسطينيين» ؛ ندّد الرئيس السابق ، ترامب، بالاحتجاجات، التى اعتبرها «عارا على الولايات المتحدة» ؛مشبها إياها بمسيرة شهيرة نظمها اليمين المتطرّف فى فرجينيا عام 2017، وأدت إلى اندلاع اشتباكات عنيفة بين مناصرى نظرية تفوق العرق الأبيض ومناهضى العنصرية. أما حاكم تكساس الجمهورى، جريج أبوت، الذى استدعى الشرطة لاقتحام الحرم الجامعى، لفض الاحتجاجات والاعتصامات بالقوة، واعتقال الرافضين؛ فاعتبر الاحتجاجات «معادية للسامية»، ودعا إلى طرد الطلاب المتظاهرين. بدوره، ومن داخل جامعة كولومبيا، ندد رئيس مجلس النواب، مايك جونسون، بالاحتجاجات، التى ادعى أنها تتضمن شعارات معادية للسامية، وتظهر تعاطفا مع حركة «حماس»، وتطالب بتدمير إسرائيل، بما يشكل تهديدا للطلبة اليهود. وطالب البيت الأبيض باتخاذ إجراءات حاسمة، مقترحا الاستعانة بالحرس الوطنى والجيش لقمع التظاهرات. وهى الدعوة، التى نكأت جراح الأمريكيين بشأن حادثة مروعة وقعت عام 1970؛ وأطلق خلالها الحرس الوطنى، النار على الطلاب المتظاهرين ضد حرب فيتنام، داخل جامعة كينت بأوهايو، ما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص.
فى مسعى منه لخلط الأوراق وانتزاع مكسب دعائى يطيل بقاء حكومته، ويبيض وجه بلاده عالميا، دخل، نتنياهو، على خط الأزمة. حيث زعم فى مقطع فيديو، «أن ما تشهده الجامعات الأمريكية أمر مروع... إذ يستولى الغوغاء المعادون للسامية على الجامعات الرائدة ويطالبون بإبادة إسرائيل، ويهاجمون الطلاب وأعضاء هيئة التدريس اليهود.. على غرار ما حدث فى الجامعات الألمانية إبان ثلاثينيات القرن الماضى».
أمنيا، وتأسيا بتعاطيها العنيف مع الاحتجاجات المناهضة لحرب فيتنام، وحركة تحرير السود، فيما مضى، عمدت السلطات الأمريكية إلى قمع الحراك الطلابى المتفاقم، على طريقة دول العالم الثالث. حيث اقتحمت الشرطة الحرم الجامعى، واعتقلت متظاهرين رافضين لأوامر فض التجمع وحظر التخييم. كما أغلقت إدارة الجامعة الحرم الجامعى ومنعت وسائل الإعلام من دخول ساحات الاعتصام. وهدد مسئولون بعدم التسامح مع ما أسموه «معاداة السامية»، محذرين من استمرار الاعتقالات حتى تتفرق الحشود، ومواصلة طرد الطلاب المشاركين فى الاحتجاجات «المليئة بالكراهية».
هٌرعت منظمات حقوقية أمريكية للتنديد بالانتهاكات الممنهجة ضد المتظاهرين السلميين داخل الجامعات. فلقد وصفت لجنة فيدرالية أداء الشرطة الوحشى إبان المواجهات، بأنه أعمال شغب بوليسية. كذلك، نددت منظمة «هيومن رايتس ووتش» و«اتحاد الحريات المدنية الأمريكى»، باعتقال المتظاهرين واستدعاء الشرطة لفض الاعتصامات؛ وحثا السلطات على احترام الحق فى حرية التعبير، بموجب التعديل الأول من الدستور الأمريكى. ووصف الاتحاد، تعاطى الأجهزة الأمنية مع الحراك الطلابى، بأنه حملات قمع غير دستورية. بدورهم، انتقد نواب ديمقراطيون توقيف الشرطة للمتظاهرين الشباب داخل حرم الجامعة؛ واعتبروه عملًا تصعيديًا، متهورًا وخطيرًا وفشلًا فادحًا للقيادة، يعرض حياة الناس للخطر.
من جانبهم، عبّر مشرعون ديمقراطيون عن قلقهم البالغ إزاء تقارير بشأن استخدام الشرطة قوة مفرطة فى حرم الجامعات، معتبرين استخدام الشرطة أساليب مكافحة شغب متطرفة إزاء الاحتجاجات والتظاهرات السلمية، التى تظنها أعمال عنف وإرهاب، تصعيدًا مقلقًا.
وفى السياق، أدانت منظمة العفو الدولية، طريقة تعامل السلطات الأمريكية مع الاحتجاجات الطلابية الداعمة لغزة، فى عدد من الجامعات. مؤكدة فى بيان لها، إن إدارات الجامعات الأمريكية واجهت الاحتجاجات الداعمة لحقوق الفلسطينيين، بعرقلتها وقمعها. وبدلًا من السماح لمنظميها بممارسة حقهم فى الاحتجاج وحماية ذلك الحق، وجهت جهودها لقمعه؛ حتى إنها أشركت السلطات المحلية فى الأنشطة القمعية، وطالبت باعتقال المحتجين وأوقفت الطلاب المشاركين فى المظاهرات السلمية عن الدراسة.
وشدد البيان على أهمية الحق فى الاحتجاج بحرية بشأن ما يحدث الآن فى غزة؛ خاصة مع استمرار إدارة، بايدن، فى إمداد الجيش الإسرائيلى بالأسلحة، ما يجعلها متواطئة ومتورطة فى الفظائع التى يرتكبها، يوميًا، ضد الفلسطينيين.
إلى الأذهان، يعيد الحراك الطلابى، الذى اجتاح جامعات أمريكية وأوربية، بمشاركة طلاب، أعضاء هيئات التدريس ومديرين تنفيذيين، شبح الحركة الطلابية المناهضة للحرب الأمريكية فى فيتنام عام 1968، والتى كانت أول حرب يتابع الأمريكيون أهوالها مباشرة عبر شاشات التلفزة.
وبمستوى مقلق من القمع، تعاملت السلطات الغربية مع الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين، بعدما وصمتها بالتعاطف مع حماس، مناهضة الصهيونية ومعاداة السامية. فيما ينفى عنها منظموها، تلك الاتهامات، كونها تضمنت مشاركة أبناء الديانتين اليهودية والإسلامية، خصوصًا منظمتى «طلاب من أجل العدالة فى فلسطين»، و«الصوت اليهودى من أجل السلام».
وبينما يتوسل توازنًا مستعصيًا بين تأييد إسرائيل ومناهضة معاداة السامية من جانب؛ ورفض التمييز ضد العرب والمسلمين، مع احترام حق الطلاب فى التظاهر السلمى من جانب آخر؛ يتأمل، بايدن، الإفلات من تكبد الكلفة السياسية للإخفاق فى تحقيق تلك المعادلة الصعبة، خلال الماراثون الرئاسى المرتقب.