الإنترنت والتكنولوجيا مفاتيح المستقبل فى أمريكا اللاتينية
العالم يفكر
آخر تحديث:
الإثنين 29 يونيو 2015 - 11:20 ص
بتوقيت القاهرة
نشر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، مقالا تحليليا للكاتب كارل ميتشام، مدير برنامج الأمريكتين فى المركز، يكشف فيه عن مكانة دول أمريكا اللاتينية فى قائمة الدول الأكثر استخداما للإنترنت، ملقيا الضوء على أبرز السياسات الفاعلة لتطوير استخدام الإنترنت لأهم دول القارة، ومشيرا إلى أبرز التحديات التى تواجه مستقبل التكنولوجيا فى هذه الدول. ويستهل ميتشام تحليله بسفر، ألدو ريبيلو وزير الدولة البرازيلى للعلوم والتكنولوجيا والابتكار إلى واشنطن، فى الأسبوع الماضى، فى إطار التحضير لزيارة الرئيس ديلما روسيف المرتقبة. حيث تعتبر زيارة ريبيلو تذكيرا جاء فى وقته بالأهمية المتزايدة للابتكار والتفوق التكنولوجى فى البرازيل وفى جميع أنحاء أمريكا اللاتينية.
ويشير ميتشام إلى إشادة كبار رجال الأعمال وخبراء السياسة بالطفرة فى سوق الهاتف النقال، باعتبارها ظاهرة متنامية فى المنطقة من المحتمل أن تفرز اتجاهات جديدة فى استخدامات التكنولوجيا وسلوكياتها. والجدير بالذكر هنا، أنه فى وقت سابق من هذا العام، حددت مجلة هارفارد بيزنس ريفيو أربعة بلدان أمريكا اللاتينية، باعتبارها اقتصادات ذات طفرات رقمية، وهو توصيف يطلق على أولئك الذين يتمتعون بأعلى معدلات التطور الرقمى. وبعد أن حققت أمريكا اللاتينية أعلى معدل عالمى للنمو فى تصفح الإنترنت عبر الهاتف النقال، تستعد لتصبح مركزا عالميا للابتكار والتكنولوجيا.
وفى هذا السياق، يتساءل ميتشام حول مكانة أمريكا اللاتينية من حيث الاتصال والابتكار والتكنولوجيا؟ والأهم من ذلك، ماذا يعنى الواقع المتغير بالنسبة لمستقبل المنطقة؟ وهو الأمر الذى يستدعى الإجابة على السؤال التالى: «ما هو الوضع الحالى لسياسة الإنترنت فى أمريكا اللاتينية»؟
***
يرى ميتشام أن سياسة الإنترنت تغطى مجموعة واسعة من القضايا، وكلها تؤثر على الحكم والابتكار. وتعتبر أمريكا اللاتينية منطقة متنوعة حافلة بقصص النجاح وإخفاقات السياسة على حد سواء.
ويعتبر الحياد من الركائز الأساسية لسياسة الإنترنت، وتتميز عدة بلدان فى أمريكا اللاتينية بالريادة فى هذا المفهوم. وكانت شيلى وبيرو من بين البلدان الأولى فى العالم، لمنع الحظر التعسفى للإنترنت وحدود السرعة، وهى نموذج احتذت به عدة دول أوروبية، بعد ذلك.
ويضرب ميتشام المثل بشيلى حيث إنها فى 2010، أصدرت أول قانون لحياد الشبكات فى العالم، يمنع صراحة مقدمى خدمة الإنترنت من الحظر أو التدخل أو التمييز ضد أى من مستخدمى الإنترنت.
وفى العام الماضى، أصدرت البرازيل قانون ماركو للحقوق المدنية، يضع إطار الحقوق المدنية للإنترنت، ويسعى لتشريع العلاقة بين الحياد والأمن السيبرانى. وهو سابقة قانونية، لأن القانون تم إعداده من خلال عملية تشاركية من أسفل إلى أعلى.
وواجه القانون النموذجى التحديات فى ضوء ما كشفته وكالة الأمن القومى الأمريكى فى 2013، مما دفع البرازيل لوضع الشروط الوطنية على أجهزة الإنترنت. ومع ذلك، أزال المشرعون تلك الأحكام قبل التصويت النهائى، إدراكا لأن هذه القواعد من شأنها أن تضر قدرة البرازيل على توسيع البنية التحتية على شبكة الإنترنت.
وتجدر الإشارة هنا إلى فنزويلا، والتى تطرح إشكالية أخرى، حيث تمارس الحكومة الرقابة على الإنترنت واقترحت أخيرا لوائح جديدة لزيادة السيطرة على ما يمكن لمواطنيها عرضه على الإنترنت. وفى حين اتسعت فرص الدخول على الإنترنت فى فنزويلا خلال العقد الماضى، يعنى افتقار البلاد أخيرا للاستثمار فى البنية التحتية للاتصالات، يعنى أنها اصبحت ذات أبطأ سرعة إنترنت فى القارة.
***
ويوضح ميتشام أن لدى أمريكا اللاتينية أكثر من 300 مليون مستخدم للإنترنت، ما يعنى أن أكثر من نصف سكان المنطقة على الشبكة حاليا بشكل أو بآخر. ومع ذلك، هناك فجوة رقمية كبير سواء فيما بين البلدان «تتميز أمريكا الجنوبية بمعدل استخدام أعلى من أمريكا الوسطى أو منطقة البحر الكاريبى» وداخل البلدان «استخدام الإنترنت يرتبط بشكل كبير مع المستوى الاقتصادى». ما يقرب من ثلاثة أرباع مستخدمى الإنترنت فى أمريكا اللاتينية يأتون من أربعة بلدان فحسب: الأرجنتين، والبرازيل، وكولومبيا، والمكسيك.
وبينما تتسم الخطوط الأرضية بالتخلف، يصل كثير من مستخدمى الإنترنت فى المنطقة إلى الشبكة عبر الأجهزة النقالة. وتقدر دراسة أعدتها جمعية «جى إس إم» أنه فى 2013 كان هناك 328 مليون مستخدم للهواتف النقالة فى أمريكا اللاتينية. وفى حين ان انتشار استخدام الهاتف المحمول كنسبة مئوية من مجموع السكان لا يزال منخفضا، حيث بلغ 65.2 فى المائة فقط فى 2014، إلا أن هذا الرقم يتزايد كل عام.
ويكشف ميتشام عن تزايد وسائط الإعلام الاجتماعية. فوفقا لدراسة حديثة أجرتها مجموعة فروست أند سوليفان، للتحليل الاقتصادى والتكنولوجى، لدى أمريكا اللاتينية 179 مليون مستخدم لموقع الفيسبوك، بزيادة 13 فى المائة عن الولايات المتحدة «١٥٨ مليون مشترك». وتضم البرازيل وحدها 65 مليون مستخدم للفيسبوك، مما يجعلها ثانى أكبر سوق للفيسبوك على الصعيد العالمى، وتحتل المكسيك والأرجنتين مركزين بين أعلى عشرة بلدان فى عدد المستخدمين. ويمضى مستخدمو وسائط الاتصال الاجتماعية فى المنطقة ما يقرب من ضعف الوقت الذى يمضيه نظراؤهم فى الولايات المتحدة على هذه المواقع.
ويشير ميتشام عن بعض التحديات التى تظهر أمام تطوير استخدام الإنترنت، فعلى الرغم من أن المنطقة تضم قاعدة متنامية من مستخدمى وسائل الاتصال الاجتماعية «يدعمها إلى حد كبير انتشار الهواتف الذكية»، مازال الوصول إلى هذه المواقع صعبا على الجماعات ذات الدخل المنخفض والمهمشين، بسبب ارتفاع التكاليف والبنية التحتية الضعيفة.
وقد خطت المنطقة خطوات كبيرة فى مجال سياسة الإنترنت والابتكار والتقدم التكنولوجى. ولكن ما زال هناك الكثير الذى ينبغى تحقيقه.
ويضيف ميتشام أحد التحديات الهامة ألا وهى «فجوة الابتكار»، كما أطلق عليه البنك الدولى، فعلى الرغم من التقدم فى توسيع نطاق انتشار الإنترنت، تعانى أمريكا اللاتينية من تلك الفجوة. ففى المتوسط، يطرح رجال الأعمال فى المنطقة، منتجات جديدة أقل فى كثير من الأحيان، مما يطرحه نظراؤهم فى أماكن أخرى من العالم، كما يقل إنفاقهم على مجالات البحث والتطوير، وبراءات الاختراع. ويؤدى غياب المنافسة، وعدم كفاية حماية الملكية الفكرية، والبنية التحتية غير الفعالة، إلى عرقلة محافظة المنطقة على النمو على الرغم من أن كل هذه العناصر يمكن تدعيمها عبر تحسين سياسات الإنترنت والتكنولوجيا.
***
ومع ذلك هناك بعض قصص النجاح الإقليمية. ولكن من بين التحديات الأكثر إلحاحا لزيادة انتشار الإنترنت، مشكلات أمريكا اللاتينية المستمرة مع عدم المساواة فى الدخل والطبقات الاجتماعية. ويتعين على الحكومات وضع سياسات لتعزيز الوصول إلى الإنترنت فى المجتمعات الفقيرة. وإذا لم يحدث ذلك، سوف تواجه خطر زيادة تفاقم الفجوة الرقمية فى المنطقة وكذلك تفاقم المستويات عالية من التفاوت الاقتصادى.
ويعتقد ميتشام أنه لا شك ان اتباع سياسة قوية للإنترنت والتقدم التكنولوجى له فوائد واضحة من حيث الاتصال والحصول على المعلومات، وحرية التعبير، وهذه كلها عوامل تتزايد أهميتها بالنسبة لمجتمع حر وديمقراطى. حيث يمكن لسياسة إنترنت طموحة أن تساعد على تعزيز الديمقراطية فى أمريكا اللاتينية. فلدى هذه الأداة السياسية القدرة على تطوير المجال العام القوى الضرورى للضغط من أجل ترسيخ الديمقراطية، وتسهيل التجارة، والسماح بقدر أكبر من مساءلة المسئولين المنتخبين. وتوجد حاليا، فجوة بين البلدان التى تعمل من أجل تعزيز حرية الإنترنت، وانفتاح البيانات الحكومية، والدول التى تعمل على تقييد الوصول إلى الإنترنت والمعلومات الحكومية. ومع تحقيق هدف حرية الإنترنت على المدى الطويل، يمكن أن تصبح سياسة الإنترنت الإقليمية جزءا لا يتجزأ من الجهود الرامية إلى ضمان الحريات السياسية فى جميع أنحاء أمريكا اللاتينية.
ويتوقع ميتشام أنه من الممكن أن تصبح أمريكا اللاتينية بؤرة الابتكار الاجتماعى القادمة. حيث يتم تسلط الضوء بشكل متزايد على صراعات المنطقة لفترة طويلة مع التفاوت الاقتصادى وسط زيادة عدد السكان، مما يجعل الدعوة إلى التغيير الاجتماعى والسياسى أكثر صخبا من أى وقت مضى. ورغم إبقاء بعض النظم السياسية رقابة مشددة من قبل الأجيال الأكبر سنا، فلدى التقنيات المبتكرة القدرة على تضخيم أصوات وتأثير شباب أمريكا اللاتينية.