عن القوة الناعمة ومفهومها
محمد زهران
آخر تحديث:
السبت 29 يونيو 2019 - 10:30 م
بتوقيت القاهرة
في بداية الثمانينات من القرن العشرين خرج عالم السياسة الأمريكي جوزيف صامويل ناي (Joseph Samuel Nye Jr) العميد الأسبق لكلية كينيدي المتخصصة في السياسات الحكومية في جامعة هارفارد (ومناصب أخرى عديدة) بتعريف القوة الناعمة، القوة الناعمة في تعريفه هو استخدام دولة ما الفن والثقافة والمال والتعليم في التأثير على دول أخرى والحصول على مصالح من هذه الدول لتحقيق سياستها الخارجية، جمع ناي القوة الناعمة والقوة الخشنة (العسكرية في أغلب الأحوال) في نظرية أسماها القوة الذكية وتدرس كيفية وتوقيت استخدام القوتين لتحقيق مكاسب ما، ما يهمنا في هذا المقال هو تعريف القوة الناعمة، من أمثلة القوة الناعمة ما فعلته أمريكا (وسمي خطة مارشال) بعد الحرب العالمية الثانية لمقاومة المد الشيوعي السوفييتي، القوة الناعمة التي استخدمتها أمريكا كانت على هيئة مساعدات إنسانية لدول غرب أوروبا المتضررة من الحرب بالإضافة إلى مساعدات تقنية استشارية لبناء وإصلاح ما تهدم من البنية التحتية لتلك الدول بالإضافة طبعاً إلى المساعدات المالية، وإذا أخذنا مثالاً أقرب زمناً لنا فهو التبادل التعليمي بين أمريكا والصين في عهد الرئيس كلينتون ... العلم والتعليم والقوة الناعمة هو موضوع مقالنا اليوم.
نحن في مصر نركز على الفن والأدب والسينما والمسرح ومختلف الأنشطة الفنية والثقافية (والرياضية أحياناً) في القوة الناعمة وهذا مطلوب ولكن ينقصه فرع آخر من القوة الناعمة: التعليم والأنشطة العلمية، لنعطي أمثلة على ما يمكن أن نفعله.
الجامعات المصرية من الممكن أن تفتح أبوابها للطلبة العرب والأفارقة، قد تقول ولكن هذا يحدث منذ زمن، نعم ولكن حال أغلب الجامعات المصرية لا يساعدها على القيام بدور في استراتيجية القوة الناعمة، قد يكون في الجامعات أساتذة كبار وعلماء أفذاذ ولكن نقص الإمكانيات والبيروقراطية والعمل فقط من أجل الترقية والشكل الإجتماعي كل ذلك يعطي نتيجة عكسية للقوة الناعمة، الحل يبدأ بتغير مجتمعي وإعادة الجامعة لمركزها كمصدر للتعليم والبحث العلمي وليست مصدراً للشكل الإجتماعي والشهادات وإلا حتى لو زادت ميزانية الجامعات عشرة أضعاف لما تغير شئ سوى زيادة مرتبات الأساتذة، إذا فأول خطوة في القوة الناعمة العلمية هو تحسين البيئة العلمية في الجامعة وهذا موضوع كبير ناقشناه من قبل في عدة مقالات وقد نكمل المناقشة في المستقبل.
فكرة أخرى للقوة الناعمة العلمية وتعتبر خطوة أولى نحو تطوير الجامعات هى عقد مدارس صيفية في الجامعات للطلبة في مرحلة البكالوريوس من جميع الجنسيات في تخصص دقيق معين مثلاً مدرسة صيفية للذكاء الإصطناعي أو لتصميم الحاسبات أو لبرمجة أجهزة الكمبيوتر فائقة السرعة وما شابهها في التخصصات المختلفة، هذه المدارس تستغرق من إسبوعين إلى سبعة أسابيع، ببعض الإمكانيات يمكننا عقد مدارس متقدمة وتوجد أمثلة كثيرة على تلك المدارس في أوروبا في دول مثل أسبانيا وسويسرا .. إلخ يمكننا التعلم منها.
فكرة أخرى مقاربة للفكرة السابقة هي عقد مسابقات علمية للطلبة من جميع الجنسيات ولجميع المراحل العلمية، الشركات يمكنها المساهمة في التمويل وقد ترى بعض الأفكار الجيدة في تلك المسابقات، أعتقد أنه عندنا بعض هذه المسابقات ولكن نريدها دولية لأننا نتكلم هنا عن القوة الناعمة.
ماذا عن النشر العلمي للعامة في المجلات العالمية؟ هل عندنا من ينشر في مجلات مثل (Scientific American) مثلاً؟ يجب التشجيع على مثل تلك المقالات لأنها تقول للعالم أنه يوجد في مصر من يهتم بالثقافة العلمية للعامة.
طبعاً كل تلك الأفكار لا تغني عن نشاطات مثل تبادل الطلاب وعقد المؤتمرات العلمية (والتي تحدثنا عنها في عدة مقالات سابقة)، والأهم أن نعي أن القوة الناعمة لا تعني إظهار للعالم صورة أننا نحب العلم والتعليم ولكن القوة الناعمة أن نكون نموذجاً أمام العالم لدولة نامية تسابق الزمن لتبني مجتمعاً علمياً ومنظومة تعليمية ممتازة يحاول الباقون أن يحذوا حذوها، هذه الصورة هي القوة الناعمة التي نقصدها، القوة الناعمة هي تطوير الداخل لإبهار الخارج ... فهل نستطيع؟