واقعتان من تاريخ مصر السياسى

سمير عمر
سمير عمر

آخر تحديث: الأحد 29 يونيو 2025 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

‎فى يوم 27 نوفمبر سنة 1866، اجتمع أعضاء مجلس شورى النواب وكان عددهم 75 عضوا داخل مقر المجلس بالقلعة.
‎كان للمجلس أن يتداول فيما تعرضه عليه الحكومة أو أحد الأعضاء من الشئون ويبدى رأيه فيها.
‎أول المقترحات تقدم بها هلال بك سيد نائب الدقهلية، لبحث مسألة «السُخرة» أى العمل بدون أجر عادل، أو حتى بدون أجر وفى ظل ظروف عمل قاسية، واقترح وضع نظام يخفف من وطأة السُخرة. فتداول الأعضاء القضية فى عدة جلسات ثم أحيلت على لجنة سميت «لجنة العمليات».
‎وبعد المداولات قدمت اللجنة تقريرا مطولا كانت خلاصته كما يقول الأستاذ عبد الرحمن الرافعى فى كتابه الوثيقة «عصر إسماعيل»:
تنظيم أعمال السخرة على أساس اعتبارها من المنافع العامة، وأنها مفروضة على من تتراوح أعمارهم بين 15 و50 سنة من أهل البلاد التى تستفيد من أعمال السخرة، وجعلها مبنية على قاعدة المساواة بين الأهالى على قاعدة «المساواة فى الظلم عدل».
‎ووافق المجلس على التقرير وطلب عمل إحصاء للأنفس حتى يؤخذ الأنفار للسُخرة بالدور.
هذه الواقعة تعكس الارتباط الوثيق بين التطور الاقتصادى والاجتماعى والتطور السياسى.
‎فإذا كان مجلس شورى النواب هو أول مجلس نيابى بالمفهوم الغربى تعرفه مصر، فإنه كان انعكاسا طبيعيا لأوضاع البلاد وقت إنشائه.
‎فى سنة 1976 كان الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين يعمل فى الكويت رئيسا لتحرير مجلة العربى الشهرية
‎وفوجئ بأن الرئيس السادات يستدعيه للقائه فى القاهرة، فعاد للقاهرة والتقى الرئيس فى استراحته الشهيرة بالقناطر الخيرية.
‎يقول الاستاذ بهاء فى كتابه «محاوراتى مع السادات» طلب الرئيس منى كتابة الخطاب الذى سيلقيه فى البرلمان الجديد بعد انتخابات 76 الشهيرة، لم يكن هناك مجال لمناقشات طويلة عما سيرد، إلا نقطة واحدة أدت إلى نشوب النقاش بيننا وتتعلق بقول السادات «إنه سعيد عموما بالانتخابات».
‎يقصد انتخابات 1976 الموصوفة بأنها واحدة من أفضل الانتخابات البرلمانية المصرية، وكانت قد جرت بنظام المنابر حيث تقدم للانتخابات ثلاثة منابر هى اليمين برئاسة مصطفى كامل مراد واليسار برئاسة خالد محيى الدين والوسط برئاسة ممدوح سالم الذى كان رئيسا للوزراء فى هذه الفترة، و900 مرشح مستقل
‎ويواصل السادات: تجربة المنابر نجحت، وانا أريد أن أعلن فى جلسة افتتاح البرلمان قرارا بأن تتحول المنابر الثلاثة إلى أحزاب.
‎يذكر الأستاذ بهاء أنه قال للسادات: إن هذه خطوة عظيمة، ولكن هناك مشكلة بسيطة وهى أن دستور 1971 لا ينص على وجود أحزاب.
‎والحل البسيط أن يعلن الرئيس فى الخطاب هذا الرأى ويطلب من اللجنة التشريعية فى البرلمان أن تجتمع لإعداد مشروع التعديل الدستورى اللازم.
‎لم يوافق السادات على رأى أحمد بهاء وظل الحوار بينهما إلى ما بعد منتصف الليل، ولم ينه هذا ا لحوار الطويل سوى أن قال الرئيس السادات:
‎يا أحمد، لازم تكون عرفت طريقتى، طريقتى أن أعلن قرارى وبعد كده نشوف إذا كان عايز تعديل، وإذا كان عايز قانون نعمل قانون لأنى لو قعدت أدرس فى كل قرار عشان يطلع ما يخرش الميه يبقى عمرى ما هطلع قرارات، كفاية أعلن فى الخطاب قيام الأحزاب، وبعد كده نشوف إيه اللى يحتاجه الموقف وهو ما حدث بالفعل
‎وبالفعل أعلن السادات فى البرلمان يوم 11 نوفمبر تحويل المنابر الثلاثة إلى أحزاب.
‎ومن هنا بدأت مصر تجربة حزبية جديدة ستلقى بظلالها على النظام السياسى المصرى لسنوات طويلة.
والآن ونحن مقبلون على انتخابات برلمانية لمجلسى الشورى والنواب نسترجع الواقعتين فنذكر أولا بأهمية أن تعكس تشكيلة المجلسين حجم التنوع السياسى والاقتصادى والاجتماعى فى مصر لتلبى قرارات المجلسين احتياجات المواطنين.
‎ونذكر ثانيا بالدور المحورى الذى يلعبه الرئيس باعتباره رأس السلطة التنفيذية فى صناعة القرار السياسى ورسم الإطار العام الذى يكتمل بسلطتين تشريعية وقضائية.
‎ولبلوغ هذه الغاية فإن الأمر لا يحتاج إلى تشريعات وحسب بل لتغييرات فى الإطار العملى الحاكم للعلاقات بين السلطات الثلاث والمجتمع.
‎وعلى هذا فالمطالبات بفتح المجال العام وزيادة فاعلية الأحزاب والقوى السياسية واتساع هامش الحريات العامة كما جاء فى مقررات الحوار الوطنى الذى دعا إليه الرئيس تحت شعار «فى الوطن متسع للجميع – والخلاف فى الرأى لا يفسد للوطن قضية» هى أمور غاية فى الأهمية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved