هل يتنازل الجولانى عن الجولان؟!
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
الأحد 29 يونيو 2025 - 9:35 م
بتوقيت القاهرة
إذا صحت الأخبار والتقارير والتسريبات بأن النظام السورى الذى يقوده أحمد الشرع سوف يوقع على اتفاق سلام وتطبيع مع إسرائيل، ويتنازل عن هضبة الجولان، فسوف يكون ذلك كارثة عربية جديدة وفضيحة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، نتمنى ألا تتحقق.
قبل شهور عرفنا أن الجانبين أجريا مفاوضات سرية فى أذربيجان برعاية تركية، وفى الأيام الماضية كثرت وتتالت التقارير التى تتحدث عن أن المفاوضات مستمرة فى أماكن أخرى، وقد تقود إلى اتفاق سلام قريبًا يضم سوريا إلى قائمة الدول العربية التى وقعت اتفاقيات سلام مع إسرائيل.
لا توجد مشكلة أن تتفاوض سوريا مع إسرائيل بهدف أن تستعيد أراضيها، فالمفاوضات لا تتم غالبًا إلا بين الأعداء، والنظام السابق سواء فى عهد حافظ الأسد الأب أو بشار الابن تفاوض مع إسرائيل أكثر من مرة، وكاد يصل إلى اتفاق بعد موافقة إسرائيل على الانسحاب من كل مرتفعات الجولان، لكن مع الاحتفاظ فقط بالسيطرة على بحيرة طبرية، باعتبارها مصدرًا مهمًا للمياه فى منطقة تعانى كلها من ندرة المياه، وهو ما رفضته دمشق وقتها.
نعلم أن إسرائيل احتلت الجولان فى عدوانها الشامل على المنطقة فى ٥ يونيو ١٩٦٧، ولم تستطع القوات السورية تحريرها فى حرب أكتوبر ١٩٧٣، ووقع الجانبان اتفاقية فض الاشتباك فى عام ١٩٧٤، ثم قررت إسرائيل ضم الهضبة إلى سيادتها فى عام ١٩٨١، وهو قرار لم تعترف به إلا الولايات المتحدة قبل سنوات قليلة.
غرقت سوريا فى حرب أهلية طاحنة منذ مارس ٢٠١١ انتهت بسقوط نظام الأسد فى ٨ ديسمير الماضى على يد «هيئة تحرير الشام» التى كانت فى السابق جبهة النصرة، وقبلها تنظيم القاعدة بزعامة «أبومحمد الجولانى»، وللمصادفة الصادمة هنا أن لقبه الجولانى، واسمه الأصلى أحمد الشرع. الهيئة وصلت للسلطة بدعم كامل من تركيا والولايات المتحدة، وفى اليوم التالى لسقوط الأسد ألغت إسرائيل اتفاق فض الاشتباك، وشنت اعتداءات متتالية، وسيطرت على قمة جيل الشيخ الاستراتيجى والعديد من الأراضى السورية حتى صارت على بعد أقل من عشرين كيلومترًا من العاصمة دمشق.
ولم يطلق النظام الجديد طلقة واحدة ضد اعتداءات إسرائيل التى أعلنت بوضوح أنها ستقضى على كل القدرات العسكرية لسوريا، وليس فقط للنظام الجديد.
قلت وأكرر أن نظام بشار الأسد يتحمل المسئولية الأساسية عما وصلت إليه الأوضاع فى سوريا، وأن ما حدث هو النتيجة الأساسية للاستبداد وقهر الناس وانتهاك حقوقهم. وفى المقابل فإن النظام الذى حل محله يصنف نفسه بـ«الإسلامى» وجاء لتطبيق شرع اللّه!! ويفترض أن من أهم قواعد شرع اللّٰه ألا تقبل بالتوقيع على اتفاقيات استسلام مع إسرائيل بهذا الشكل المهين!!
قد لا يكون النظام الجديد قادرًا على مواجهة إسرائيل، ولا يملك القدرات العسكرية، لتحرير الجولان أو ما تم احتلاله من أراضٍ جديدة، لكنه يملك على الأقل عدم التوقيع على اتفاقيات استسلام تقر بأن الجولان إسرائيلية، ولا يصح أن يتذاكى على الشعب السورى والعربى، ويقول إن الجولان سوف تتحول فى المستقبل القريب إلى «حديقة سلام»، فى حين أن جميع المسئولين الإسرائيليين يكررون ليل نهار أنه لا اتفاق مع سوريا الجديدة، إلا إذا تنازلت تمامًا عن الجولان للسيادة الإسرائيلية.
ولا أعرف كيف تقبل تركيا راعية النظام الجديد هذا الوضع، وحكومتها تعطى المنطقة دروسًا بلاغية منذ عام ٢٠١١ فى الاستقلال ودعم فلسطين ومقاومة الاحتلال الإسرائيلى، ومقاومة كل ما هو مستبد!!
ولا أعرف أيضًا لماذا يصمت غالبية أنصار «الإسلام السياسى» الذين هللوا لوصول تنظيم القاعدة للسلطة على ما يتم تداوله من أخبار وتقارير بشأن تطبيع «القاعدة» مع إسرائيل؟!
كيف يتم لوم بعض الدول العربية، لأنها أقامت علاقات مع إسرائيل، فى حين لا نسمع كلمة واحدة عن تقارير التطبيع الجديدة بين سوريا وإسرائيل واحتمال التنازل عن الجولان؟
نريد من الجميع أن يطبق معيارًا واحدًا على القضايا، وألا يكرر حكاية «المعايير المزدوجة»، بحيث ينتقدون أى دولة يكرهونها إذا طبعت مع العدو، ويمتدحون أى دولة تطبيع ما داموا يحبونها!!