على أعتاب نكبة جديدة.. هل يدرك العرب درس نتنياهو؟

محمد سعد عبدالحفيظ
محمد سعد عبدالحفيظ

آخر تحديث: الأحد 29 يونيو 2025 - 9:40 م بتوقيت القاهرة

لو أدرك العرب ما كان يحيكه لهم الصهاينة قبل تأسيس إسرائيل لما وقعت النكبة الأولى، ولو استلهموا العبر مما جرى على مدار 8 عقود من الصراع لما وقفنا مجددا على أعتاب نكبة جديدة، لكنهم للأسف أغفلوا وتغافلوا فنزلت عليهم الحوادث وحلت عليهم النوائب.

فى ذروة معركته مع إيران، ودون سياق مفهوم، خرج بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الاحتلال، ليتباهى بإنجاز بلاده الحقيقى ويُذكر العرب بأعظم خيباتهم «واجهت بلادنا بعد قيامها عالمًا عربيًا موحدًا لكنها نجحت فى تفكيكه تدريجيًا».

لا أعلم إذا كان نتنياهو يقصد برسالته تلك تحذير «الجمهورية الإسلامية» من المصير الذى سبقها إليه جيرانها بتفكيكها إلى دويلات عرقية ومذهبية، أم أنه يُذكر شعبه بالتحدى الأهم الذى تمكنت بلاده من تخطيه، لكن ليس ذلك ولا ذاك هو ما يعنينا، ما يعنينا أن الرجل نكأ جرحا متقيحا، فتفوق دولة الاحتلال لم يكن ليحدث لولا تفكيك العالم العربى وانقسام دوله على نفسها.

يدرك نتنياهو، كما أسلافه، أن ضعف العرب فى تشتتهم وفرقتهم، وأن مواجهة دول المنطقة مجتمعة وموحدة تعنى بداية نهاية دولته، يمضى الرجل على خطى مؤسس إسرائيل وأول رئيس لوزرائها ديفيد بن جوريون الذى وضع قاعدة «إن بقاء إسرائيل مرهون بانهيار دول ثلاث.. مصر والعراق وسوريا».
ورغم تشكيك البعض فى نسبة تلك المقولة إلى بن جوريون فإنها تبدو واقعية بالنظر إلى ما تحقق على الأرض من نتائج.

كان مؤسس إسرائيل يحتقر العرب ويرى أن هناك فجوة حضارية بينهم وبين اليهود «نحن نعيش فى القرن العشرين بينما هم لا يزالون فى القرن الخامس عشر».

كان بن جوريون يعتقد أن دولته التى تم تأسيسها على دماء الفلسطينيين «لا تنتمى إلى الشرق بل إلى الغرب بقيمه وتقدمه».. ويؤمن أن العالم العربى المتصلب بجذوره وأرضه وحدوده «لن يقبل بفكرة وجود تلك الدولة فى الشرق الأوسط»، وهو ما جعله متشائما تجاه احتمال التوصل لسلام حقيقى بين إسرائيل وجيرانها.

لذا عمل بن جوريون على محورين، الأول بناء قوة عسكرية تردع الدول العربية عن مهاجمة إسرائيل، والثانى تفكيك الروابط بين العالم العربى واللعب على تناقضاته العرقية والمذهبية وفصل مشرقه عن مغربه وإضعاف دوله التى تملك مقومات بناء قوة تهدد أمن وبقاء إسرائيل.

بعد رفض العرب التفاوض مع قادة إسرائيل عقب انتهاء هدنة رودس فعليا فى مايو 1949، دعا بن جوريون إلى طرح قضية السلام مع العرب جانبا لمدة عشر سنوات على الأقل، حتى يتسنى له فرض وجود الدولة التى ابتلعت 78% من أراضى فلسطين.

ووفقا لوثائق وزارة الخارجية الإسرائيلية التى نشرها الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى مجلة «وجهات نظر» عام 2000، فإن مؤسس إسرائيل قال فى أعقاب انتهاء هدنة رودس: «لا خطر من الأردن فملكه عبد الله الأول، متفاهم معنا.. ولبنان لا يمثل ولن يمثل أى خطر على الإطلاق ولدينا فيه أصدقاء.. وسوريا أيضا لا تشكل خطرا الآن، إذ انشغل جيشها بالسياسة الداخلية».

أما مصر فرأى بن جوريون أنها مسألة أعقد، «فى الوقت الحالى لا خطر منها، لكنها خطر محتمل فى المستقبل، فهى الدولة الحقيقية الوحيدة فى الوطن العربى، ونحن لا نريد منها سوى أن تكون داخل حدودها فقط.. بيننا وبينهم صحراء كبيرة.. لو استطعنا الاتفاق معهم سوف تكون غزوة عظيمة».
وفى سبيل ذلك والكلام لا يزال لـ بن جوريون ينبغى عمل الآتى:
- أن تبقى مصر داخل حدودها.
- منع مصر من إقامة أى تحالفات عربية من وراء إسرائيل، خصوصا مع سوريا بالذات ثم مع السعودية والعراق.
- توسيع العازل الصحراوى مع مصر.. هذا العازل لابد وأن يشمل سيناء المصرية والنقب فى جنوب فلسطين.
- فى حالة حصر مصر داخل حدودها ينبغى منح إسرائيل كل المزايا الاستراتيجية التى كانت تمتلكها.
- أن تحقق إسرائيل لنفسها قوة ردع تعادل كل القوى العربية مجتمعة، وتواجه بها مصر إذا تغيرت أوضاعها.
لو تفحصنا، ما طرحه بن جوريون قبل 7 عقود، ونظرنا للواقع الأليم الذى يعيش فيه العالم العربى، لأدركنا أن ما حل بنا من مصائب لا يُسأل عنه أعداؤنا، بل يسأل عنه من ساهم فى تحويل خطط الأعداء إلى أمر واقع استكان له ورفض مقاومته وتغييره.
إذا لم يكن النظر إلى قضية الوحدة بدافع الروابط المشتركة (قومية ودينية وتاريخية)، وإن لم يكن حتى بدافع المصالح الواقعية، فوجب علينا أن ننظر إليها بدافع الخوف من الخطر المحدق الذى حل علينا.
«لا بد لتلك الأمة أن تنزع نفسها من فكرة الهزيمة، وتستوعب الحقائق التى صنعها اتصال الأرض والتاريخ واللغة والثقافة والمصلحة والأمن بين شعوبها»، قالها هيكل نهايات القرن الماضى محذرا من المستقبل المرعب الذى ينتظر تلك الأمة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved