أهداف زيارة الرئيس الصينى المنطقة العربية
صحافة عربية
آخر تحديث:
الأحد 29 يوليه 2018 - 9:55 م
بتوقيت القاهرة
نشرت جريدة الحياة اللندنية مقالا للكاتب «سليم نصار» ويتناول فيه أهداف الزيارة الأخيرة للرئيس الصينى «شى جين بينج» للمنطقة العربية.
بداية ذكر الكاتب أنه بسبب النمو المتسارع الذى حققته الثورة الصينية الثانية فى عهد الرئيس هو جين تاو، كان لا بد من الحصول على موارد إضافية كالتى تفتقر إليها أكبر دولة عددا فى العالم.
وانطلاقا من هذه القاعدة، باشرت الصين تسللها إلى القارة السمراء عبر الدول الإفريقية التى دعمتها ماديا، واخترقتها عقائديا خلال الستينيات والسبعينيات. كل هذا كان يتم فى ظل أعلام الحزب الشيوعى الذى رعت بكين نشاطاته فى أنغولا ونيجيريا والسودان وإثيوبيا والكونغو.
وبين الأحداث الدولية التى دفعت القيادة الصينية إلى اتخاذ هذا المنحى انهيار المنظومة الاشتراكية وتدمير جدار برلين الذى فتح مجالات تصحيح أخطاء جغرافية فى أوروبا.
ومع ظهور هذه التحولات العالمية، حافظت الصين على نظام الحزب الواحد والإخلاص لاشتراكية قومية واجهت بها تيارات العولمة الشاملة. وكان من الطبيعى أن تحصن امتداداتها فى إفريقيا بموجة ثقافية توقعت أن تساعدها على الانتشار. علما أن اللغتين الإنجليزية والفرنسية كانتا تمثلان اللغة الثانية بالنسبة إلى الأنظمة المحلية.
ومن أجل إحداث التغيير المطلوب، طرحت الصين نفسها محررة لبلدان إفريقيا من الاستعمار الأوروبى. وكان هذا الشعار كافيا لتوسيع رقعة نفوذها، خصوصا بعد إنشاء «منتدى التعاون الصينى ــ الإفريقى» سنة 2004. وقد نظمت بكين للمناسبة مؤتمرا استقطب 43 دولة إفريقية. وعلى الفور اندفعت وزارة الخارجية الأمريكية لاستضافة مؤتمر حول دور الصين فى إفريقيا، وتأثيره على المصالح الأمريكية والغربية.
ويضيف الكاتب أنه فى ضوء هذا الصراع الصامت بين الصين وأوروبا فى إفريقيا، دعا الاتحاد الأوروبى إلى تفادى المواجهة خشية الإساءة إلى مشاريع التنمية والبنى التحتية التى ساهمت الكتلتان فى إنشائها، خصوصا بعد ارتفاع حدة المنافسة عقب تجاوز عدد شركات التجارة والاستثمار الصينية الألف شركة. ولقد أعانها على سرعة النمو والانتشار امتلاك المؤسسات الصينية امتيازات انخفاض كلفة اليد العاملة. وبناء على تلك الامتيازات أسست بكين خمسمائة شركة بلغ عدد موظفيها العاملين فى إفريقيا تسعين ألف موظف صينى سنة 2006. وبسبب ذلك الحضور المتنامى والمقلق، ازدادت الحملات الإعلامية التى كان يشنها الاتحاد الأوروبى ضد الوجود الصينى فى القارة السمراء. لذلك اضطر سفير الصين لدى الاتحاد إلى الدفاع عن دور بلاده من خلال مؤتمرات صحفية ركز فيها على المساهمة الاقتصادية التى تقدمها الصين فى مجالات تطوير البنية التحتية لتلك البلدان الفقيرة.
بعد مرور فترة الاختبار التى أمضاها الرئيس دونالد ترامب فى استبدال كبار موظفى البيت الأبيض، واجهته أزمة اقتصادية نسبها إلى تمدد نفوذ الصين واتساع علاقاتها مع الدول المنتجة للنفط.
واعتبر الرئيس الأمريكى أن القفزات السريعة التى حققها الرئيس الصينى تشى جين بينغ تشكل خطرا دائما على الأسواق التجارية التى تنعش اقتصادات بلاده. وعليه قرر فرض رسوم جمركية على مجمل الواردات من الصين. وأتبع هذا القرار بتصريح أعرب فيه عن استعداده لتوسيع فرض الرسوم حتى 500 بليون دولار، متهما بكين باستغلال أسواق الولايات المتحدة.
وبعد انقضاء أسابيع من المفاوضات غير المثمرة، فرضت الإدارة الأمريكية رسوما جمركية إضافية بنسبة 25 % على المنتجات الميكانيكية والتكنولوجية الصينية.
وكان من الطبيعى أن يحرج هذا القرار الانتقامى بكين التى اتهمت واشنطن بشن أكبر حرب تجارية فى التاريخ الاقتصادى.
إضافة إلى هذا العمل الاستفزازى، لاحظت القيادة الصينية أن ترامب يسعى إلى تطويق نشاطاتها فى إفريقيا، مع السعى المتواصل إلى حرمانها من إقامة علاقات وثيقة مع الدول العربية المنتجة للنفط. وترى هذه القيادة أن واشنطن تخشى من تعميق علاقات الصين التجارية مع الدول النفطية بالذات، الأمر الذى يضع الدول العربية فى مرمى المشروعات التى تمولها وتديرها بكين. وهذا يعنى فى نظر واشنطن ازدياد نفوذها السياسى من طريق نفوذها الاقتصادى. خصوصا أن حجم الناتج المحلى الإجمالى فى الصين بعد سنتين يفوق مرتين حجم الناتج فى الولايات المتحدة، حسبما قدّر الخبراء.
ومع نشوء هذا الوضع الجديد تتساءل الإدارة الأمريكية ما إذا كان بمقدورها معاملة الصين مثلما عاملت الاتحاد السوفييتى سابقا، أى دولة عدوة يجب محاربتها على كل الجبهات؟!
الجواب الذى قدّمه أهل الاختصاص فى واشنطن ونيويورك يقضى باستبعاد خيار العداء للصين بسبب اختلاف وضعها عن وضع الاتحاد السوفييتى السابق. وأقل ما يُقال فى هذا السياق إن الصين تستثمر فى الولايات المتحدة أكثر من 700 بليون دولار فى سندات الخزينة. وقد استندت هذه المعادلة إلى دعوة واشنطن لضمان استثمارات الصين لديها مقابل محافظة الصين على قوة الدولار.
ووفق توصيات «اللجنة المشتركة» الأمريكية، قرر الرئيس ترامب منع الصفقات الأجنبية لأسباب تتعلق بسلامة الأمن القومى. ومن المتوقع أن يوافق الكونجرس على قرار تعتبره اللجنة تهديدا لوظيفة شركات الاستثمار.
على جبهة الشرق الأوسط، ترى بكين أن حرمانها من كميات النفط التى تحتاجها خلال السنوات العشر المقبلة يعنى تعريض حركة النمو والانتعاش إلى انتكاسة اقتصادية كبيرة. صحيح أنها تملك احتياطات نفطية كافية للاستهلاك المحلى، ولكن الصحيح أيضا أنها فى حاجة ماسة لكميات إضافية تواجه بها ظروف المستقبل. ولم تكن الزيارة التى قام بها الرئيس تشى جين بينغ إلى دولة الإمارات العربية المتحدة سوى محطة من محطات الآفاق الجديدة لعمل مشترك. وقد أثمرت هذه الزيارة توقيع 13 اتفاقية ومذكرة تفاهم لتعزيز الشراكة الاستراتيجية. وكان لا بد من الإشارة أثناء المحادثات إلى أول زيارة قام بها المؤسس الراحل الشيخ زايد بن سلطان إلى الصين قبل 28 سنة.
وكان الرئيس تشى جين بينغ قد افتتح الدورة الثامنة للاجتماع الوزارى لـ «منتدى التعاون الصيني ــ العربي» بحضور أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وأمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط، ووزير خارجية السعودية عادل الجبير. سنة 2004 تأسس «منتدى التعاون الصيني ــ العربي» ليتحول سريعا إلى إطار واسع للتعاون على مختلف الأصعدة، الثقافية والدبلوماسية والتجارية.
ويختتم الكاتب حديثه بالإشارة إلى طرح الرئيس تشى لمبادرة «الحزام الاقتصادى لطريق الحرير»، إلا أن المنتدى قام بخطوات إيجابية ساعدت على توسيع حلقة التعاون الاقتصادى والاجتماعى.
سنة 2013 تولى تشى جين بينغ مقاليد الحكم فى الصين مدشنا عهده بإطلاق مبادرة واسعة تعمل على ربط بلاده بأكثر من 120 دولة فى العالم. وقد توخى من وراء هذه المبادرة ترسيخ الاستقرار والمشاركة الواسعة، إضافة إلى الشئون السياحية والثقافية والاجتماعية. وبفضل هذه المبادرة المتطورة قفز حجم التجارة بين الصين والدول العربية من مائة بليون دولار سنة 2008 إلى مائتى بليون دولار سنة 2017.
وبعكس ما فعله فلاديمير بوتين الذى حصر وجوده فى الشرق الأوسط بإنقاذ بشار الأسد، تعمّد شريكه العقائدى السابق استخدام نفوذه الاقتصادى لمساعدة دول المنطقة على إنقاذ نفسها!