فقراء.. نعم!
طلعت إسماعيل
آخر تحديث:
الإثنين 29 أغسطس 2016 - 9:15 م
بتوقيت القاهرة
كتب أحدهم متسائلاً: أين الفقر الذى تتحدثون عنه وقد ذهبت إلى محل كباب شهير فى مدينتى بوسط الدلتا فلم أجد موضعًا لقدم؟، وقال آخر: كيف يكون لدينا فقراء وقد جمعنا فى أسبوع واحد أكثر من 60 مليار دولار شهادات لحفر قناة السويس الجديدة؟، وتمادى ثالث فذكرنا بآلاف الأشخاص الذين اصطفوا فى طوابير للحصول على فيللات ثمنها عدة ملايين من الجنيهات.
هذه النغمة التى يعزف عليها البعض هذه الأيام، تحاول أن تبرر للحكومة رفعها المتتالى لأسعار السلع والخدمات، لأن فى عرف هؤلاء أن الشعب المصرى لديه من المال ما يكفى لتلبية شروط الاتفاق مع صندوق النقد الدولى للحصول على القرض، ويستنكر هؤلاء أيضا التحذيرات التى تخرج عن عدد من المثقفين والسياسيين بشأن خطورة الاتجاه إلى تعويم الجنيه مقابل الدولار، ورفع الدعم عن الوقود بعد رفع سعر الكهرباء!!
هذا الفهم يسعى أصحابه إلى تشجيع الحكومة على اتخاذ المزيد من الإجراءات التى تدهس فى طريقها غالبية المصريين من الفقراء، ومحدودى الدخل، متصورين أنهم يحسنون صنعًا، وقد جاء، من وجهة نظرهم، وقت القرارات الجريئة التى جبن آخرون عن اتخاذها، وفاتهم أن البئر قد نضبت ولم تعد فى جوفها إلا الصخر والحصى، بعد أن تكالبت عليها الدلاء فيما فات من سنوات بفعل الفساد والمفسدين.
يحاول بعض المتلحفين بالمنافع والملتحقين بركب المصالح الشخصية، للأسف، المزايدة أحيانًا على بعض الجهات الحكومية التى ترصد وتحلل إلى أى مدى وصل حال المصريين من تدنٍ معيشى، وفقر وعوز ومعاناة، بعد أن دخلوا مكرهين فى حرب يومية من أجل تدبير ثمن خبزهم، وتوفير قليل من الجنيهات لتعليم أبنائهم، والتسول فى بعض الأحيان لعلاج أمراضهم، بعد أن أدارت الدولة ظهرها لهم.
ونذكر هؤلاء المتنطعين بالحديث عن ثراء المصريين، أن من تضربون بهم الأمثال لا يشكلون سوى فئة ضئيلة من بين أكثر من 90 مليون مصرى، قال الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء فى تقرير يونيو الماضى إن 27.8% منهم فقراء لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من الغذاء وغير الغذاء، وأن 57% من هؤلاء يعيشون فى ريف الوجه القبلى مقابل 19.7% فى ريف الوجه البحرى.
الجهاز الحكومى الذى لا يزعم أحد أنه يسعى إلى تزوير الحقائق، أو تشويه الصورة، قال أيضًا ضمن تقريره «عن الدخل والإنفاق والاستهلاك فى مصرى» إن نسبة الفقراء عام 2015 التى بلغت 27.8% وهى الأعلى منذ عام 2000 عندما كانت 16.7%، وأشار إلى أن أكثر من 11.8 مليون مواطن فى أدنى فئة إنفاق، حيث يبلغ معدل إنفاق الفرد سنويًا أقل من 4 آلاف جنيه، أى أقل من 333 جنيه شهريًا.
التقرير الذى لم يمر على إعلانه أكثر من شهرين حافل بالأرقام والتفاصيل التى يمكن أن تلقم من يتحدثون عن بحبوحة المصريين أحجارًا وليس حجرًا واحدًا، لكن يبدو أن هؤلاء لا يقرأون، وإن قرأوا لا يستوعبون لغة الفقر، ووضع الفقراء فى هذا البلد، ويحاولون تزييف الحقائق، وتزيين الصورة، غير عابئين بخطورة الورقة التى يتلاعبون بها.
طبعًا الحكومة تدرك خطورة الطريق التى تسلك، فنراها تناور، وتقدم خطوة وراء الأخرى تحت غطاء من الأسطوانة المشروخة التى استخدمتها الحكومات جميع من قبل، عن شبكة الضمان الاجتماعى، وأن رفع الدعم لن يمس الفقراء، ولن يجرح محدودى الدخل التى هى أحن عليهم من حنان الأم على وليدها، غير أن ذلك لن يجدى نفعًا، فالفقر أكبر مما تظنون.. فقراء.. نعم فقراء، ألا تصدقون!!.