إنصاف أشرف مروان
طلعت إسماعيل
آخر تحديث:
الإثنين 29 سبتمبر 2025 - 7:20 م
بتوقيت القاهرة
«وَظُلمُ ذَوى القُربى أَشَدُّ مَضاضَةً.. عَلى المَرءِ مِن وَقعِ الحُسامِ المُهَنَّدِ»؛ هذا البيت المنسوب إلى الشاعر الجاهلى طرفة بن العبد، القائل فى بيت آخر: «سَتُبدى لَكَ الأَيّامُ ما كُنتَ جاهِلًا.. وَيَأتيكَ بِالأَخبارِ مَن لَم تُزَوِّدِ»، وهما بيتان يلخصان حقيقة الظلم الذى قد يحيط بالإنسان، قبل أن تنصفه الأيام وتكشف براءته مما لُصق به من اتهام.
وهذا ما ينطبق على قصة الدكتور أشرف مروان، صهر الرئيس جمال عبد الناصر وسكرتير الرئيس أنور السادات، الذى تعرض لحملة تشويه واسعة تبنى فيها البعض رواية «الموساد» الإسرائيلى، القائلة إنه كان «ملاكهم» و«خائن بلاده» خلال حرب أكتوبر 1973.
لكن اليوم، وقبيل الاحتفال بالذكرى الثانية والخمسين لنصر أكتوبر المجيد، تأتى شهادة العدو نفسه لتبرئ مروان من هذه التهمة. فقد نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، الخميس الماضى، تحقيقًا موسعًا أكدت فيه أن مروان لم يكن «الجاسوس الأسطورى» كما روجت تل أبيب لعقود، بل كان رأس الحربة فى خطة خداع مصرية بارعة سبقت الحرب وفى أثنائها.
وأشارت الصحيفة إلى أن «مواد استخباراتية لم يكشف عنها من قبل «أثبتت أن مروان لعب الدور الأبرز فى تضليل الاستخبارات الإسرائيلية».
ومن غير الخوض فى التفاصيل التى نشرتها الصحيفة الإسرائيلية، وكان للدكتور محمد عبود، أستاذ الدراسات الإسرائيلية فى جامعة عين شمس العريقة، السبق فى لفت النظر إليها فى أحاديث إعلامية وتحليلات مطولة حول هذه القضية فى الأيام الأخيرة، تخرج الحقيقة وإن طال الزمن لدحض أكاذيب من حاولوا النيل من الرجل ربما تصفية لحسابات مع جمال عبد الناصر نفسه.
الاعتراف الإسرائيلى ببراءة أشرف مروان، دفعنى لنقاش مطول مع الدكتور محمد عبود حول خطورة تبنى السرديات الإسرائيلية فى العديد من قضايانا الوطنية، وأقتبس بعضا مما دار بيننا:
يقول أستاذ الدراسات الإسرائيلية: «للأسف، تعانى مصر من تيار يتلقف أى رواية سلبية تصدر عن مصادر أجنبية أو إسرائيلية، فيتبناها بلا تمحيص مادامت تقلل من شأن مصر أو تشكك فى إنجازاتها. وهو أمر يبعث على الحزن والدهشة معًا، خاصة أن هذا التيار نفسه يحارب بضراوة كل رواية بديلة تنتصر للحق أو تكشف الحقيقة».
ويحذر عبود من الوقوع فى فخ الدعاية الإسرائيلية السلبية، إذ إن «إسرائيل صاحبة مصلحة واضحة فى التشكيك بولاء مروان، من أجل ترسيخ أسطورة (الموساد الذى لا يُقهر)، وزرع الشك والريبة فى الوعى المصرى والعربى».
ويضيف: «إن قوة الموساد الحقيقية لا تتجاوز 30% عملا استخباراتيا مقابل 70% دعاية وبروباجندا، عبر آلة إعلامية ضخمة، وصحف ممولة، وأقلام مأجورة، وأفلام ومسلسلات تروّج لوهم القوة المطلقة.
لقد نسجت قصة التشكيك فى أشرف مروان عبر هذه الأدوات التقليدية: تقارير صحفية فى إسرائيل والغرب، وكتب من أدب الجاسوسية، ومسلسلات وأفلام اتهمته بالعمالة، وادعت غفلة أجهزة الأمن المصرية.
وللأسف انساق وراء هذه الروايات كثيرون من حسنى النية، وبعض المغرضين ممن يرفعون شعار: «خالف تُعرف». ورغم أن الاعتراف، كما يقال فى العلوم الجنائية، هو سيد الأدلة، ورغم أن الحق ما شهدت به الأعداء، ظل هؤلاء يشككون حتى فى اعتراف العدو نفسه، فقط لأنه لم يوافق هواهم!.
لقد تجاهل هؤلاء، للأسف أيضا، «رسائل مصرية رسمية غير مباشرة، من أبرزها: تصريحات الرئيس الراحل حسنى مبارك، والجنازة الرسمية التى أُقيمت لمروان، فضلا عن تأكيد اللواء عبد السلام المحجوب، وكيل أول جهاز المخابرات العامة الأسبق، أنه تولى تدريب مروان على مهمة خداع إسرائيل».
انتهى النقاش مع عبود، لكن يبقى الحديث متجددا عن ضرورة الوعى بخطورة ما يحاك لنا من روايات زائفة تستهدف التشكيك فى تاريخنا الوطنى وقدرتنا على مواجهة عدونا، وخصوصا فى الأيام التى نحتفل خلالها بنصر فى حجم انتصار السادس من أكتوبر 1973.