‎جريمة المتحف.. ونواب الصمت

صفاء عصام الدين
صفاء عصام الدين

آخر تحديث: الإثنين 29 سبتمبر 2025 - 6:00 م بتوقيت القاهرة

‎قضيتُ وزميلتى ثلاث ساعات كاملة نبحث عن نواب يوافقون على التعليق على جريمة سرقة الإسوارة الأثرية من المتحف المصرى، وعن الدور الرقابى للبرلمان فى حماية تراثنا داخل المتاحف. لكن محاولاتنا باءت بالفشل؛ فالأعذار تكررت على ألسنة أعضاء لجنة الثقافة والآثار، أغلبها يدور حول «حساسية الموقف» و«عدم الرغبة فى إثارة الرأى العام» قبيل افتتاح المتحف المصرى الكبير.

‎المفارقة أن الرأى العام كان بالفعل فى حالة غضب، بينما اعتبر النواب أن ممارسة دورهم الطبيعى ومساءلة الحكومة، وكشف أوجه القصور التى سمحت بوقوع الجريمة قد يثير القلق، متجاهلين أن وظيفتهم الأولى هى حماية مصالح المواطنين وصون الإرث الحضارى لا التستر على الإخفاقات.

 

الرقابة الغائبة

‎تنص المادة 101 من الدستور على أن «يتولى مجلس النواب سلطة التشريع، وإقرار السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وذلك كله على النحو المبين فى الدستور».

‎وعلى الرغم من أن النواب يقضون إجازة برلمانية تبدأ فى يوليو وتنتهى فى أكتوبر، إلا أن هذه الفترة لا تعنى غياب الرقابة تمامًا؛ إذ تتيح لهم اللائحة الداخلية أدوات يمكن استخدامها حتى فى العطلة، أبرزها توجيه السؤال البرلمانى للحكومة. وقد لجأ بعض نواب المعارضة إلى هذه الأداة فى الحادث الأخير، متسائلين عن آليات التأمين وسبل حماية المقتنيات الأثرية، بينما غاب صوت نواب الأغلبية، بمن فيهم أعضاء لجنتى السياحة والثقافة والآثار.

‎كما تمنح اللائحة الداخلية النواب أدوات رقابية أخرى لا تقتصر على الأسئلة أو طلبات الإحاطة والبيانات العاجلة، بل تمتد إلى آليات أكثر فاعلية مثل تشكيل لجان تقصى الحقائق. وتنص المادة 241 من اللائحة على أن هذه اللجان تُشكَّل بناءً على طلب رئيس المجلس أو اللجنة العامة، أو إحدى اللجان النوعية، أو باقتراح مكتوب مقدَّم إلى رئيس المجلس من ستين عضوًا على الأقل. ومع ذلك، غابت هذه الأداة عن المشهد البرلمانى، ليس فقط فى واقعة سرقة الإسوارة، بل فى وقائع مشابهة أخرى كان من شأنها أن تكشف أوجه الخلل وتحدد المسئوليات بوضوح.

 

حساسية التوقيت

‎وافق رئيس الجمهورية على افتتاح المتحف الكبير فى الأول من نوفمبر المقبل، ووقع حادث سرقة الإسوارة قبيل أسابيع قليلة من الافتتاح، وعلى الرغم من حساسية التوقيت، إلا أنه ربما كان جرس إنذار للجميع سواء الجهات الرقابية أو الحكومية لضرورة إعادة النظر فى طرق التأمين ورفع درجات الحذر فى جميع المتاحف واستخدام التقنيات الحديثة وليس فقط فى المتحف المنتظر افتتاحه.

‎كما أن حادث السرقة الأخير كشف عن فجوة مزمنة فى البنية التحتية الأمنية للمتاحف والمخازن الأثرية، إذ ما زالت بعض المواقع تعتمد على أساليب تقليدية فى الحراسة والمراقبة. ولعل الافتتاح المرتقب للمتحف الكبير يمثل فرصة سانحة لإعادة صياغة منظومة التأمين على نحو أكثر صرامة وحداثة، بحيث تجمع بين العنصر البشرى المدرب والأنظمة التكنولوجية المتطورة من كاميرات ذكية وأجهزة استشعار وإنذارات مبكرة.

‎باشرت النيابة العامة دورها فى التحقيقات، وندبت لجنة لفحص آليات تداول القطع الأثرية داخل المتحف، ورصدت هذه اللجنة مخالفة ضوابط تنظيم العمل بمخازن الآثار المعتمدة من اللجنة الدائمة للآثار المصرية، خاصة فيما يتعلق بإجراءات تسليم وتسلم القطع الأثرية، إذ اقتصر الأمر على إثبات الأثر بمحضر تحركه دون أى توقيعات، فضلًا عن عدم جرد خزانة المعمل يوميًا.

‎كما أوصى التقرير بإعداد سجل خاص بحركة الأثر داخل المعمل، وآخر للخزانة مع استيفاء التوقيعات، ومنع دخول الحقائب الشخصية للمرممين وتفتيشهم عند الخروج، إضافة إلى تركيب آلات تصوير داخل المعمل.

ثمن الصمت

‎كانت هذه توصيات النيابة فى واقعة محددة لتبدو وكأنها الجهة الوحيدة التى باشرت دورها الفعلى، بينما غابت أغلبية مجلس النواب عن المشهد، مكتفية بالصمت.

‎إن تجاهل النواب لمثل هذه القضايا يضاعف من فجوة الثقة بين الشارع والبرلمان. فالمواطنون، الذين تابعوا بقلق خبر اختفاء قطعة أثرية نادرة، لم يجدوا من يسائل الحكومة بجدية عن ثغرات منظومة حماية الآثار.

‎ومع مرور الوقت، يتحول هذا الصمت إلى ثمن سياسى باهظ ندفعه جميعًا ليس المجلس فقط، فتترسخ هشاشة الدور الرقابى للبرلمان، بما يضعف قدرته على التأثير فى مسار السياسات العامة، ويعمّق شعور المواطنين بأن آليات المحاسبة غائبة أو معطلة.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved