مؤتمر شرم الشيخ.. مسئولية الدول الغنية عن تضحيات الدول الفقيرة!
أحمد عبدربه
آخر تحديث:
السبت 29 أكتوبر 2022 - 8:40 م
بتوقيت القاهرة
على الرغم من صخب الحرب الروسية ــ الأوكرانية وأزمة الطاقة العالمية، فإن العالم ينتظر حدثا عالميا على الأراضى المصرية، حينما تستضيف مدينة شرم الشيخ مؤتمر المناخ فى الفترة من ٦ وحتى ١٨ نوفمبر القادم. سيكون هذا المؤتمر هو السابع والعشرون بين الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة للمناخ فى عام ١٩٩٢، كما أنها ستكون المرة السادسة التى تستضيف فيها القارة الإفريقية هذه القمة!
من المنتظر أن يحضر المؤتمر العديد من قادة العالم وفى مقدمتهم الرئيس الأمريكى جو بايدن، وهى الزيارة الثالثة عشرة لرئيس أمريكى فى السلطة إلى مصر، منذ الزيارة الأولى التى قام بها الرئيس روزفلت لمصر فى نوفمبر ١٩٤٣ للتنسيق مع رئيس الوزراء البريطانى تشرشل، والزعيم الصينى كاى تشيك بخصوص الموقف من اليابان خلال الحرب العالمية الثانية! كما أنها الزيارة الأولى لرئيس أمريكى إلى مصر منذ أكثر من ثلاثة عشر عاما وتحديدا منذ زيارة الرئيس أوباما لمصر فى يونيو عام ٢٠٠٩ وخطبته الشهيرة فى جامعة القاهرة!
وفى المقابل فإن بعض القادة قد أكدوا اعتذارهم رسميا مثل رئيس الوزراء البريطانى ريشى سوناك الذى وصل إلى السلطة منذ أيام قليلة وتحجج بتعذر حضوره بسبب ازدحام جدوله وهو ما عرضه لانتقادات عنيفة وتم اتهامه بنقص القدرات القيادية وبمحاولة تملص بريطانيا من أى تعهدات فى المؤتمر، ولكنه رد على تلك الانتقادات مشددا على حضور وفد رسمى للمؤتمر نيابة عنه، كما ما زال المراقبون فى انتظار تأكيد من الرئيسين الروسى بوتين والصينى شى بشأن الحضور أو عدمه، وهو الأمر الذى ما زال غير محسوم حتى الآن!
• • •
بالنسبة لمصر، استضافة هذا المؤتمر مهمة، ليس فقط بسبب أن مصر هى واحدة من الدول النامية المتضررة من التغيرات المناخية، ولكن لأن استضافة مؤتمر بهذا الحجم، يعيد للدبلوماسية المصرية بعضا من ثقلها المفقود دوليا وعالميا، كما أنه يعيد مصر لواجهة الأخبار العالمية وهو أمر قد تتمكن الحكومة من استغلاله للترويج للسياحة وجذب الاستثمارات!
فور إعلان استضافة مصر للمؤتمر، كانت هناك انتقادات بخصوص الأوضاع الحقوقية وحقوق الإنسان فى البلاد، ولكن مع إعلان القاهرة عن عقد المؤتمر الوطنى للحوار، ثم الإفراج عن عدد من المحبوسين احتياطيا، تراجعت هذه الانتقادات حتى ولو لم تختفِ، لكن الكرة الآن فى ملعب القاهرة لمواصلة تحسين الأوضاع الحقوقية والإنسانية لصالح البلد، والمواطن والمواطنة المصرى والمصرية أولا وأخيرا!
لكن ما هى أهمية هذا المؤتمر وأى نقاش أو مواجهات من المتوقع أن يشهدها؟
تعتبر قضايا المناخ من أكثر القضايا الجدلية فى العلاقات الدولية بعد انتهاء الحرب الباردة، ورغم كثرة التعهدات التى قدمتها الدول الأكثر تلويثا للمناخ وهى بالطبع الدول الصناعية المتقدمة الكبرى فى شرق آسيا وفى أوروبا وأمريكا الشمالية، بالإضافة إلى بعض القوى الصاعدة كالبرازيل والهند والصين، إلا أن هذه التعهدات لم تشهد الكثير من الإنجازات فى ظل محاولة تلك الدول التخفيف من الأعباء التى تحاول اتفاقيات المناخ إلزامهم بها!
وفقا للهيئة الدولية المعنية بتغير المناخ، فقد ارتفعت درجات الحرارة بنسبة ١.١ درجة مئوية بسبب التلوث البيئى ومن المنتظر أن نصل قريبا إلى ١.٥ درجة مئوية! وفقا لعلماء الهيئة، فإن العالم إذا ما شهد مواصلة ارتفاع درجات الحرارة لتصل إلى ١.٨ درجة، فإن أكثر من سكان العالم سيكونون معرضين للموت بسبب ارتفاع درجات الحرارة والجفاف وخصوصا مع ندرة الثروة المائية فى الكثير من دول العالم!
وفقا لهذا التهديد الحالى بالكرة الأرضية، فقد وقّعت ١٩٤ دولة اتفاقية باريس فى ٢٠١٥ من أجل منع استمرار ارتفاع درجات الحرارة، ولكن كباقى الاتفاقيات البيئية هناك تراجع فى هذه التعهدات! ومن هنا فواحدة من القضايا التى سيتم مناقشتها هو كيفية مواصلة الجهود الدولية فى هذا الصدد!
لكن وبالإضافة إلى هذه القضية الكبرى، فهناك قضايا أخرى لا تقل أهمية سيتم مناقشتها فى شرم الشيخ ومن ضمنها تقليل الانبعاثات، وتقليل استخدام الفحم عن طريق البحث عن بدائل له، ومساعدة الدول النامية تكنولوجيا وماليا لمواجهة المخاطر البيئية!
• • •
بينما أن كل هذه القضايا جدلية، إلا أن هناك إطارا عاما شهد الكثير من التفاوض بشأنها، لكن تظل القضية الأخطر والتى من المتوقع أن تشهد مواجهات بين الدول المتقدمة الصناعية وبالتالى الأكثر تلويثا للبيئة، وبين الدول الأقل نموا وبالتالى ضحايا هذا التلوث، بشأن قضية تعويض الدول المتضررة من الناحية المالية بسبب هذه الأضرار المناخية والتى أثّرت كثيرا على صحة ومستوى حياة مواطنى ومواطنات هذه الدول الأخيرة، بسبب حالات الفيضانات والجفاف والندرة المائية وغيرها من الأضرار البيئية التى تضرب وما زالت أراضيها وسكانها، ومن ضمن هذه الدول الضحايا قطعا دول القارة الأفريقية وبعض دول جنوب وجنوب شرق آسيا!
فى عام ٢٠٠٩ كانت الدول المتقدمة قد تعهدت بأن يصل الدعم المالى لمساعدة الدول النامية على مواجهة التغيرات المناخية إلى ١٠٠ مليار دولار بحلول عام ٢٠٢٠، لكن لم يصل الدعم المالى إلى المبلغ المطلوب، فتم وضع عام ٢٠٢٣، أى العام القادم للوصول إلى هذا الدعم، ولكن تخشى الكثير من الدول النامية أن تتحجج الدول المتقدمة مجددا بأزمة الطاقة التى سبّبتها وستسببها الحرب الروسية الأوكرانية فى التأثير على قدرتها على الدعم!
لكن تبدو المواجهة فى شرم الشيخ بين الدول المتقدمة والنامية أكثر سخونة بخصوص قضايا التعويضات التى تصر الدول النامية على الحصول عليها من الدول المتقدمة بسبب التلوث العالمى! فالدول النامية بقيادة مجموعة الدول العشرين الأكثر عرضة للأضرار بسبب التغيرات المناخية والمعروفة باسمV20 تقدر خسارتها لما يقرب من خُمس ثروتها خلال العشرين عاما الماضية بسبب هذه التغيرات، ومن ثمّ تطالب بتعويضها!
لكن الدول المتقدمة تتحجج بأن تعريف الضرر والخسارة بسبب التغيرات المناخية غير واضح ومن ثم تحاول التنصل من هذه المطالب أو تسويفها! من المتوقع إذا أن تكون هذه القضية هى الأكثر خلافية بين الملوثين الأغنياء فى مواجهة الضحايا الفقراء!
• • •
أمام هذا الخلاف، تقدمت ألمانيا بتأييد من دول الاتحاد الأوروبى بمقترح لتقديم «تأمين» للدول الفقيرة بسبب الضرر الذى قد يلحق بها من جراء هذه التهديدات، لكن ترى الدول النامية أن هذا العرض غير كاف، لأنه سيتعامل مع الأضرار المستقبلية ولن يعوضها عن خسائر الماضى من ناحية، ولأنه من ناحية أخرى سيكون تعويضا عن الأضرار الواضحة ذات الطبيعة الحالة كالكوارث (الفيضانات مثلا) ، ولكن لن يشمل هذا التأمين التعامل مع الأضرار التى تحدث ببطء وتكون أضرارها أكبر مستقبليا!
فى مقابل ذلك تقدم الدول النامية بقيادة مجموعة الـ V20 بديلا عن ذلك نموذجا للتعويض المالى، يحدد أولا طبيعة الأضرار التاريخية بشكل يمكن قياسه، كما يحدد ثانيا الدول الأكثر تعرضا للضرر من ضمن هذه الدول النامية لتكون على قائمة أولويات التعويض! يقدم هذا النموذج تصورا واضحا بأن الأموال المطلوبة من الدول المتقدمة هى «تعويضات»، وليست «مساعدات»، ومن ثم لا يجب أن تشمل أى مشروطية كاستخدام أشخاص تقنيين أو مواد أو شركات من الدول المقدمة للتعويضات، أو اشتراطات من الدول المتقدمة بشأن الكيفية التى ستصرف بها هذه التعويضات!
كما تقدم مجموعة الـ V20، مقترحا آخرا أكثر جدلا، وهو أن تدفع الدول المتقدمة، ضريبة سنوية للدول الضحايا مقابل الأضرار المناخية، مثل دفع ضرائب على عوادم الطائرات والسفن التجارية والعوادم الكربونية وغيرها، وهو ما يواجه برفض وتردد من الدول المتقدمة فى قبوله!
ترى دول ضحايا التغيرات المناخية أن مؤتمر شرم الشيخ هو فرصتها لوضع حد لمحاولة تملص الدول المتقدمة من تعهداتها، والوصول إلى نموذج واضح ومستقر وملزم للتعويض! بينما ترى الدول المتقدمة أنها ليست ملزمة بتقديم أى تعهدات مالية وخصوصا فى ظل أزمة الطاقة الحالية، فمن سينتصر فى هذه المواجهة؟
هل يحدث اتفاق وتضامن، أم خلاف وتلكؤ وتردد وتملص؟
هذا ما ستجيب عنه مدينة شرم الشيخ فى الأيام القليلة القادمة!
أستاذ مساعد للعلاقات الدوليةــ جامعة دنفر
الاقتباس
تظل القضية الأخطر والتى من المتوقع أن تشهد مواجهات بين الدول المتقدمة الصناعية وبالتالى الأكثر تلويثا للبيئة، وبين الدول الأقل نموا وبالتالى ضحايا هذا التلوث، بشأن قضية تعويض الدول المتضررة من الناحية المالية بسبب هذه الأضرار المناخية.