فى ميناء شرق التفريعة
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
الأحد 29 نوفمبر 2015 - 10:20 م
بتوقيت القاهرة
من ينكر أهمية المشروعات القومية الكبرى التى يطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى وحكومته، فهو أعمى، لكن من حق الناس مناقشتها ونقدها وإبداء الرأى فيها لأنها ليست فوق مستوى النقد.
فى اللحظة التى أطلق فيها الرئيس السيسى إشارة بدء مشروع تنمية ميناء شرق التفريعة فى بورسعيد ظهرالأحد الماضى، كان كثيرون يراهنون على أن هذا المشروع وكل ما يتعلق بالمشروعات المتوقعة فى محور تنمية قناة السويس، قد تلعب الدور الأبرز فى إخراج مصر من أزمتها الاقتصادية، والأهم أن تضعها فى بداية الطريق الصحيح الذى يعتمد على العلم والتخطيط والعمل الجاد.
خلال الحفل كان جالسا بجوارى مستثمر مصرى من بورسعيد أقام مشروعا فى المنطقة قبل سنوات عبارة عن مصنع للأدوية، واتفق على التصدير لبعض البلدان الأوروبية.
قال لى الرجل إنه تعب كثيرا وواجه مشاكل متعددة حتى رأى مشروعه النور، ورأيه أن من يرد العمل والنجاح سينجح، لكن على الحكومة أن تبرهن على جديتها وتساعد المستثمرين فعلا بدلا من «تطفيشهم». مثل هذا المستثمر هو قصة نجاح، ينبغى أن يعرفها الجميع حتى نتمكن من تكرارها.
البعض قرأ فى كلمة الرئيس نوعا من الغضب خصوصا عندما قال «أتحدى أن يحقق أحد فى عشر سنوات ما حققناه فى أقل من عامين».
هناك أكثر من رؤية فيما يتعلق بالمشروعات القومية الكبيرة خصوصا تلك التى تتكلف أموالا طائلة. الرؤية الأولى ترى أن تنفيذها الآن مهم جدا وسيعطى أملا للناس بشأن المستقبل، فى حين ترى وجهة النظر الأخرى أن أحوال البلاد المتردية اقتصاديا تستلزم أن نوجه إليها كل مواردنا.
أعتقد أنه ينبغى الدمج بين وجهتى النظر، فالمشروعات الكبرى التى بدأ فيها الرئيس السيسى ــ من أول حفر قناة السويس الجديدة ونهاية بمشروع تنمية إقليم القناة مرورا بالمشروع القومى للطرق واستصلاح المليون ونصف مليون فدان وغيرها ــ نحتاجها جدا إذا أردنا السير فى طريق تنمية اقتصادية حقيقية. وفى الوقت نفسه لا يمكن أن ننفق ونخصص كل ما نملك من أموال ومنح وقروض فى هذه المشروعات الكبرى فقط، لأن هناك احتياجات يومية لا يمكن تأجيلها. المشروعات القومية مهمة جدا، لكن المواطن البسيط والمطحون ومحدود الدخل أو معدومه لن يشغله كثيرا أن نحفر قناة ــ جديدة أو ننشىء ميناء فى شرق التفريعة أو غرب العين السخنة. هذا المواطن لا يفكر إلا فى حاله اليومى، ولا يمكن أن نلومه.
القضية الجوهرية أن نعمل فى مسارين متوازيين بين النظر للمستقبل وبين مراعاة الحاضر الراهن. وهناك أولويات ومواءمات لا مفر منها، فإذا كانت هناك أولوية لمشروعات تنمية قناة السويس لأنها ستوفر فرصا كثيرة للعمالة فإنه يمكن مثلا مناقشة تأجيل مشروع العاصمة الجديدة، خصوصا إذا كان التمويل سيأتى من الداخل وليس من الخارج، ثم إننا تحمسنا للمشروع يوم إطلاقه فى المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ فى مارس الماضى، حينما كان يتضمن ضخ ٤٥ مليار دولار من الخارج فى شرايين الاقتصاد المصرى، مما ينعش السوق بصورة غير مسبوقة، أما إذا كنا نحن من سيموله، فعلينا فعلا إعادة دراسة المشروع مرة أخرى أو الاكتفاء ببعض البدايات البسيطة انتظارا لانفراج الأزمة وتوافر السيولة اللازمة، وليس عيبا بالمرة أن نؤجله إذا كان ذلك فى صالح الاقتصاد القومى الآن.
الرئيس السيسى قال إن المشروعات الكبرى تخضع لدراسات كثيرة قبل طرحها، وهذا شىء جيد، لكن لماذا لا يتم توسيع دراستها أيضا لدى الرأى العام قبل إقرارها، فربما تكون هناك وجهات نظر أخرى مفيدة، بل ومن وجهة نظر مصلحية، فإنها ستوفر على الحكومة «الصداع ووجع الدماغ». وإذا تم هذا الأمر الذى يسمونه «النقاش المجتمعى الحقيقى»، فإن غالبية المجتمع سوف تساند الحكومة فى هذه المشروعات، بل إن المعارضين سيجدون أنفسهم يؤيدون رأى الأغلبية.
بعد ما رأيته صباح الأحد الماضى من عرض للمشروعات التى سيتضمنها محور قناة السويس، فإن التحية واجبة للهيئة الهندسية للقوات المسلحة ورئيسها اللواء عماد الألفى، ورئيس أركانها اللواء كامل الوزير الذى يبذل جهدا خارقا منذ أغسطس قبل الماضى، والتحية واجبة أيضا لكل الجنود والضباط معه، ولكل الشركات والهيئات المدنية التى تنفذ هذه المشروعات على أرض الواقع.