لحن الخلود
محمود قاسم
آخر تحديث:
الجمعة 29 نوفمبر 2024 - 7:20 م
بتوقيت القاهرة
زرت المخرج الراحل بركات منذ أكثر من ربع قرن فى شقته بعمارة الإيموبيليا بهدف التعرف منه شخصيا على مصادر الأفلام التى أخرجها، خاصة أنه كان ينسب إلى نفسه تأليف بعض هذه الأفلام داخل العناوين، وكانت معى قائمتى التى خرجت بها من داره دون أى إضافة، فقد أنكر ذكر أى اسم لأفلامه التى لا أعرف مصادرها، ولكنه قال لى على عجالة أن فيلم «لحن الخلود» عام 1952 مأخوذ من مسرحية «تاسو»، التى لم أكن سمعت عنها، ورحت أبحث عن هذا الاسم وعرفت أنه إحدى مسرحيات الشاعر الألمانى جوته، لكننى بالرجوع إلى النص الأجنبى لم أجد أى تشابه بين المسرحية والفيلم، كما أننى من أشد المعجبين بفيلم «بنات اليوم»، وشاهدته عشرات المرات ولم أستطع أبدًا معرفة مصدره، وصدقت أن بركات قد ألف هذه القصة الجميلة البسيطة التى أحبتها جميع الأجيال، هذا الأسبوع فقط انقلبت الأمور بالنسبة لى وأنا أتابع فيلم «لحن الخلود»، مجددا، فكم شبعنا من رؤية هذه الأعمال، ولا نعود للمتابعة إلا إذا تعذر علينا العثور على شىء يستحق المشاهدة، كانت المفاجأة هو التقارب الشديد بين الفيلمين اللذين أخرجهما بركات فى فترة متقاربة، ولاحظت أن هناك مشهدين فى الفيلمين متكررين بصورة واضحة، ومن الصعب على أى مشاهد محترف اكتشافهما، القصة تدور حول فنان يتعاطف مع شقيقتين ولا يدرى أن إحداهما تحبه فى صمت، لكنه يؤازرهما، ويتعرف على سهام التى يبادلها الحب ثم يتزوج منها.
المشهد المقصود هو يوم عيد ميلاد إحدى الفتيات، هى سهام فى «لحن الخلود»، وسلوى فى «بنات اليوم»، فى هذا الحفل يقرر الرجل أن يبوح لحبيبته بمشاعره، فيحدث خلط يؤدى إلى أنه يأخذ الموافقة ــ بالغلط ــ ويذهب إلى والد سهام (سراج منير) ليطلب منه ابنته، ويقوم الأب بإعلان الخبر على المدعوين، ويكون هذا الأمر صدمة بالنسبة لوفاء، وينكسر قلبها المريض، وفيما بعد يحدث تقارب بطىء بين وفاء ووحيد، ويبدأ فى التباعد عن زوجته التى تحبه، وتتفهم عالمه الموسيقى، ولكن الفيلم يعبر لنا أن سهام ليست أبدًا مناسبة عاطفية لزوجها، وتتطور القصة حتى ينفصل وحيد عن زوجته التى تتقبل الأمر بصدر رحب، حتى لا تفسد العلاقات داخل الأسرة، الآن لنعد إلى مشهد حفل عيد الميلاد الذى قام بركات بإخراجه مرتين بالآلية نفسها فى الفيلمين، فالممثل سراج منير الذى قام بدور الأب هو الذى يعلن خبر الخطبة، أما الفتاة العاشقة فتصدم، وفى هذا الحفل فإن سوء الفهم ينتقل بين الأبطال، فمن المفروض أن يذهب وحيد ليطلب وفاء، وليست سهام، ولكن هذا اللغط يجعل المطرب يرتكب خطأ حياته، كما أن المشهد كله فى حفل عيد ميلاد سهام أو سلوى، بما يعنى أن بركات يميل كثيرا إلى قصص المنافسة العاطفية داخل الأسرة الواحدة، وقد كرر هذا كثيرا فى أغلب أفلامه ومنها «ارحم حبى»، و«الحب الضائع»، وغيرها.
نكتب هذا للتأكيد على ما نردده دوما فى أن السينما المصرية خاصة أفلام تلك الحقبة فى أشد الحاجة إلى إعادة رؤيتها، وتحليلها، ومعرفة نقاط التشابه بينها حيث سوف نكتشف أنه رغم أن عمر تلك الأفلام سوف يبلغ المائة عام كاملة فى عام 2027 فإن مخرجينا الكبار قد وضعوا أبطالهم فى أماكن ضيقة محدودة، ومثلما حبس بركات أبطاله فى بيوتهم فى «لحن الخلود»، فإن بيت آخر مشابه كان هو خشبة المسرح التى دارت عليها حوادث فيلم «بنات اليوم»، وبالنسبة لى فإننى فى المرات القادمة وعند مشاهدة هذه الأفلام مرة أخرى فإن المقارنة ستفرض نفسها على شئت أم أبيت.