كيف يخرج الجميع فائزًا؟
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
الخميس 29 ديسمبر 2011 - 9:15 ص
بتوقيت القاهرة
الإخوان و«تحالفهم الديمقراطى» يعدون دستورا، وحزب النور والقوى السلفية يعدون دستورا، وتسريبات شبه مؤكدة تؤكد أن قانونيين فى المجلس الاستشارى يعدون دستورا أو أفكارا دستورية لحساب المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وربما هناك هيئات ومنظمات تفعل الأمر ذاته الآن.
ليس عيبا أن يتبارى الجميع فى «الاجتهاد الدستورى» لكن على كل طرف التأكد أنه من دون جلوس الجميع معا، فإن الدستور ــ إذا خرج عبر طرف واحد ــ سيكون أشبه بالمولود المبتسر المشوه.
الإخوان، حتى لو امتلكوا نصف البرلمان فإن ذلك لا يخولهم ــ سياسيا على الأقل ــ الحق فى الانفراد بكتابة الدستور، والسلفيون ورغم أنهم لم يحققوا إلا الربع فى الجولتين الأولى والثانية، فإننا بدأنا نسمع بعضهم الآن يطالب بتطبيق الحدود وأحكام الشريعة وليس فقط مبادئها، رغم أنهم أثناء «الدعاية السوداء» خلال استفتاء 19 مارس كانوا يصرخون قائلين «الحقونا المادة الثانية سوف يتم حذفها».
القوى الليبرالية أيضا لديها بعض الأصوات الزاعقة تعتقد أنها يمكنها ــ عبر الالتفاف على إرادة وطبيعة المجتمع ــ ان تفرض دستورا علمانيا لا يتناسب مع الواقع.
نظريا يستطيع الإخوان والسلفيون فرض فيتو على أى دستور لا يعجبهم، لكن عمليا فإن ذلك سيكون بابا ملكيا للانحدار نحو الهاوية.
التوافق ــ الذى يطالب به الجميع بين السياسيين ــ لابد أن يشمل القوات المسلحة أيضا. هناك بعض الساذجين أو المتطرفين يعتقد أن بإمكانه فرض رؤيته ليس فقط على القوانين ولكن على الدستور، ويصل تفكير هؤلاء إلى تصور وجود خناقة أو معركة بين الشعب والقوات المسلحة ينبغى أن تنتهى بانتصار كاسح لطرف وهزيمة مذلة لطرف آخر، فى حين أن المطلوب أن يخرج المجتمع بأكمله فائزا.
مثل هذا التفكير كارثى لأنه يتعامل مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة باعتباره كل الجيش، ثم يبدأ ــ انطلاقا من الخلافات الراهنة ــ فى تصور سيناريوهات أكثر كارثية خلاصتها أن القوى السياسية سوف تنجز الدستور، وتفرضه على الجميع حتى من دون تشاور مع الجيش.
لحسن الحظ لايزال لدينا بعض العقلاء فى الأحزاب السياسية، ويشعر المرء بالاطمئنان لتفكير جماعة الإخوان المسلمين وهى تتحدث ــ قبل أيام ــ عن ضرورة وجود تفاهم مع الجيش عند كتابة الدستور.
لا أحد عاقل يتصور أن يكون الجيش دولة داخل الدولة، لكن لا أحد عاقل أيضا يتصور أن الجيش سيعود فورا إلى ثكناته بعد شهرين أو ثلاثة أو حتى ستة وكأنه الجيش السويدى أو الفنلندى.
كنا نتمنى أن يحدث ذلك إذا كنا فى نفس ظروف البلدان الاسكندنافية، لكننا لسوء الحظ موجودين فى مناخ سياسى مصاب بأمراض كثيرة بسبب سرطان نظام حسنى مبارك، وبالتالى فينبغى أن تكون هناك «صيغة ما» خلاقة ومبدعة تضمن الانتقال الآمن والسلس للسلطة من الجيش الى الشعب.
هذا الدستور المقبل لابد أن يكون توافقيا بين كل قوى وفئات المجتمع ومن بينهم القوات المسلحة.
على حزب النور الإيمان أن تطبيق الحدود «الآن» غير مفيد حتى للإسلام إلى أن يصير لدينا مجتمع إسلامى فلا يعقل أن أقطع يد السارق قبل أن أوفر له عملا شريفا وعلى أى حزب ليبرالى الاقتناع بأننا نعيش فى مجتمع يلعب الدين دورا رئيسيا فيه، وعلى القوى السياسية ألا تدخل فى معركة كسر عظم مع القوات المسلحة، وأخيرا على المجلس الأعلى للقوات المسلحة الإيمان بأن الدنيا تغيرت، ومبارك سقط والأهم أن الشعب القديم تغير.. صار هناك شعب جديد لم يعد يعترف بكل المعادلات والمفاهيم القديمة.