حروبنا الصغيرة
خولة مطر
آخر تحديث:
الإثنين 30 يناير 2017 - 11:40 ص
بتوقيت القاهرة
كثر الحديث أخيرا، بل المقالات الصحفية والخطاب في الجلسات الخاصة عن أنه على العرب أن يتغيروا وخاصة فيما يتعلق برؤيتهم وموقفهم من اسرائيل. بل أن البعض تمادى في هذا الخطاب ليقول بأن هذا جزء أساسي من أسباب تخلف العرب واحترابهم واقتتالهم وعدم تحولهم إلى المسارات الديمقراطية التي سارت عليها معظم دول العالم حتى أصبحت دولنا العربية هي الأخيرة ضمن قوائم الدول التي تلتزم بالحوكمة واحترام حقوق الانسان والشفافية والمشاركة.
لا أتصور أن هناك اختلاف لدى العرب على تخلف حكوماتهم وانتشار أمراض الحكم الفردي والديكتاتوريات المتبقية كالديناصورات في هذا العالم شديد التحول وسريعه. ولكن ورغم كل ذلك هناك أيضا بين العرب شيء من الاتفاق بأن فلسطين هي البوصلة وأن الموقف من اسرائيل هو أمر حتمي ليس من المنظور القومي العروبي أو حتى مخلفات بعض تلك التيارات السياسية التي شاخت، ولكن من قبل الاعتراف أولا بأن فلسطين هي آخر بلد محتل في العالم وأن اسرائيل تمارس سياسات فصل عنصري لا تشابهه أي من الممارسات القمعية الممنهجة لكثير من الأنظمة العربية.
•••
يبقى السؤال لماذا علت هذه الأصوات وكثرت المقالات في الصحف العربية واسعة الانتشار وعابرة الحدود ولم بدأ ما يشبه الحملة المنظمة بعد محاولات جادة وضعت فلسطين وقضيتها على آخر سلم أولويات القضايا العربية. ساهمت النزاعات منذ العام 2011 إلى مزيد من التهميش لفلسطين كقضية مركزية، وإن كان دون ايجاد حل حقيقي وأساسي للاحتلال الاسرائيلي لفلسطين لن يكون للمنطقة شأن ولن تستطيع كل الشعوب العربية أن تبني ديمقراطيات حقيقية فإسرائيل هي آخر المستعمرات، وتبقى رابضة في وسط المنطقة العربية تمارس الانتهاكات الممنهجة والمقننة على الفلسطينيين بشكل يومي، ويقوم المستوطنون بطرد الفلسطينيين من بيوتهم في القدس، وتبنى المستوطنات وتنتشر كالسرطان ويقسم الجدار القرى والمدن الفلسطينية وتمحى الأسماء العربية للبلدات وتوضع مكانها أسماء عبرية.
•••
في ظل استمرار كل هذه الممارسات التي لا يواجهها سوى انتشار حملة واسعة في دول العالم تمتد من أوروبا حتى أمريكا تطالب بمقاطعة اسرائيل بمعنى ليس فقط مقاطعة بضائعها ومنتجاتها ولكن حتى التطبيع الأكاديمي والثقافي. فتقوم جامعات برفض توجيه الدعوات إلى أكاديميين اسرائيليين ليشاركوا في ندوات علمية أو أعمال بحثية، كما يرفض الكثيرون الدعوات التي تصلها للمشاركة في أنشطة أكاديمية وعلمية في الجامعات الاسرائيلية. في ظل كل هذه الحملة النشطة في العالم توازيها حملة بين المثقفين والصحفيين والكتاب والاقتصاديين العرب للدعوة إلى إعادة النظر في العلاقات مع اسرائيل والبعض الصهيوني ولدولة اسرائيل لليهود فقط. ودون الوقوع في التحليل المبني على نظرية المؤامرة إلا أن المراقب لا يمكنه إلا أن يتصور أن هناك جهد مكثف وحملة واسعة للبدء وبشكل تدريجي في انهاء أي صراع مع اسرائيل في فكر المواطن العربي وبدل من أن تكون فلسطين هي بوصلة العرب كما تقول حتى الكتب المدرسية التي امتدت لها بعض أصابع هؤلاء المربين العرب لشطبها بالكامل تحت مسميات أن في ذلك محاربة لفكر الكراهية والعداء للآخر بدلا من الاعتراف بأن بقاء اسرائيل كدولة عنصرية كما يتفق على ذلك كل الباحثين في القضايا الفلسطينية والمتابعين للتطورات على الأرض بدولة اسرائيل، أن بقائها يشكل انتهاكًا صريحًا لكل المواثيق والأعراف الدولية المبنية على حقوق الإنسان الأساسية.
•••
هذه الحملة من قبل الكثير من المفكرين والمثقفين والكتاب والأكاديميين والاقتصاديين العرب بحاجة للوقوف عندها حتى لا نبقى نحن آخر من يدافع عن القضية المركزية التي تعاكس الفكر الانساني والتي تبقى تنهش في الضمير العالمي .. وحتى لا تتحول حروبنا الصغيرة إلى قضايا مركزية ونخسر بوصلتنا الوحيدة نحو التحرك الحقيقي باتجاه الحرية والعدالة والمشاركة والمساواة التي يطمح لها كل عربي وأولهم الفلسطينيون القابعون تحت الاحتلال .. القابضون على أشجار زيتونهم التي تقتلعها جرافاتهم كل يوم .. المتسلقون لجدار الفصل العنصري العازل وبشكل يومي للذهاب إلى مدارسهم وجامعاتهم وحقولهم أو حتى للالتقاء بأهلهم الذين أصبح الوصول لهم بعد بناء الجدار أمرًا من المستحيلات ... اسرائيل التي تعتقل وتقتل بشكل يومي أطفال فلسطين الماسكين بالحجارة كسلاح لهم في وجه الظلم بل هو أكثر أنواع الظلم وأشدها .. لكل هؤلاء علينا أن نعيد القضية الفلسطينية إلى مركزيتها وأن نواجه النيو كونز (المحافظون الجدد) العرب الجالسين بيننا المتربعين على مناصبهم في أجهزتنا وجامعاتنا ومدارسنا والحاجزين للمساحات في الصحف مكرسينها للترويج للفكر الجديد وهو القبول بدولة اسرائيل بكل مظالمها والاعتراف بها أو الاتهام بالعنصرية أو التخلف!