هل ينهى الذكاء الاصطناعى الجامعات كما نعرفها؟

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: الجمعة 30 مايو 2025 - 7:35 م بتوقيت القاهرة

منذ عدة أسابيع تم استضافة جيفرى هينتون (Geoffrey Hinton) وهو من الآباء المؤسسين للجيل الحالى من الذكاء الاصطناعى والحائز على جائزتى نوبل وتيورنج فى حديث عن مستقبل الذكاء الاصطناعى، تحدث عن عدة أشياء لكن ما يهمنا فى مقال اليوم هو تأثير الذكاء الاصطناعى على مستقبل الجامعات. كاتب هذه السطور يعمل فى التعليم الجامعى منذ أكثر من عقدين وبالتالى لديه ما يقوله تعقيبًا على هذا الحديث من تجربته الشخصية.
• • •
الجامعات موجودة لتحقيق هدفين: تخريج متخصصين فى العلوم المتقدمة التطبيقية منها والإنسانية يقودون مسيرة التقدم فى بلادهم، والهدف الثانى هو البحث العلمى الذى يدفع عجلة التقدم. هناك جامعات بدأت بالهدف الأول فقط وهو التعليم ثم بدأ الهدف الثانى يظهر وينتشر حتى أصبحت أغلب الجامعات فى العالم تحاول تحقيق الهدفين، ظاهريًا على الأقل.
• • •
الجامعات الآن أصبح لها هدف ثالث يتقدم الهدفين السابقين: تحقيق أرباح كبيرة. عندما ترى إعلانات الجامعات المختلفة ترى ملاعب وحفلات أكثر مما ترى معامل، بل وتظهر عقدة الخواجة جليًا لأن كل الجامعات تحاول إلحاق اسمها باسم جامعة كبرى أو حتى جامعة أجنبية (حتى وإن كان ترتيب تلك الجامعة الأجنبية متأخرًا) عن طريق اتفاقيات وما شابه، كل ذلك حتى تغرى العائلات الغنية على إلحاق أبنائهم بها بتكاليف باهظة. إذا قارنا الجيل الحالى من الطلبة بجيلين سابقين مثلاً فسنجد أن الجيل الحالى يدفع نقودًا أكثر ويحصل على درجات أعلى ويمكننا أيضًا القول إنهم يبذلون مجهودًا أقل فى الدراسة نظرًا لقلة تركيز الجيل الحالى واعتماده على البرمجيات التى تضع المعلومات على أطراف أصابعه وكثرة عوامل تشتيت الانتباه فى هذا العصر مقارنة بالماضى. هنا أصبحنا أمام مؤسسات أقرب إلى الشركات منها إلى المؤسسات التعليمية.
• • •
نحن فى عصر الرقمنة والذكاء الاصطناعى، هذا يؤثر على مختلف الأنشطة البشرية ومنها بطبيعة الحال المؤسسات التعليمية. الذكاء الاصطناعى التوليدى مثل التشات جى بى تى هو المتصدر للمشهد الآن، يمكن أن يستخدمه الطالب والأستاذ، لكن هناك عدة ملاحظات.
• عندما استخدم بعض الأساتذة تلك البرمجيات فى تحضير المحاضرات والملازم والامتحانات اعترض بعض الطلاب وطالبوا باسترجاع جزء من مصروفات الدراسة لأنهم جاءوا من أجل التعلم على يد البشر وليس البرمجيات.
• عندما يستخدم الطلاب البرمجيات فى حل الامتحانات وعمل الأبحاث يعتبر الأساتذة أن ذلك من قبيل الغش.
• لا يمكن إيقاف التكنولوجيا وبالتالى استخدام برمجيات الذكاء الاصطناعى فى الجامعات لن يتوقف، بل سيزداد.
إذا وضعنا تلك الملاحظات جنبًا إلى جنب فسنجد أنفسنا أمام معضلة: كيف يمكن استخدام الذكاء الاصطناعى فى الجامعات بدون الدخول فى المشكلات المذكورة أعلاه؟ لا توجد إجابة نهائية لهذا السؤال لأننا مازلنا حديثو العهد بتلك المشكلة لكن هناك اقتراحين نعتبرهما نقطة بداية لنقاش ممتد لتعديل العملية التعليمية فى ضوء هذه المستجدات التكنولوجية:
• يجب على الأستاذ أن يشرح للطلاب فى أول محاضرة فى العام الدراسى كيف سيستخدم الذكاء الاصطناعى فى العملية التعليمية وأين الخط الفاصل بين العامل التقنى والعامل البشرى.
• يسمح للطلاب باستخدام الذكاء الاصطناعى فى حل المسائل البحثية لكن يجب أن يضعوا فى إجاباتهم: السؤال الدقيق الذى أعطوه للذكاء الاصطناعى، وكيف تم التأكد من المعلومات التى حصلوا عليها من البرمجيات، وكيف عدلوا الإجابة التى حصلوا عليها من البرمجيات لتكون أكثر دقة.
هذا عن الاستخدام الحالى للذكاء الاصطناعى فى الجامعة، لكن ماذا عن المستقبل؟
• • •
الأجيال القادمة من برمجيات الذكاء الاصطناعى من الممكن أن تقوم مقام الأستاذ حسبما تنبأ جيفرى هنتون فى حديثه الذى ذكرناه فى بداية المقال. الوضع الحالى أن هناك أستاذًا يقف فى قاعة المحاضرات يشرح للطلاب المادة العلمية. لكن كل طالب فى القاعة له طريقة مختلفة للتعلم، فهناك من يتعلم بالاستماع وهناك من يتعلم بالكتابة وهناك من يتعلم عن طريق رسم أشكال معينة… إلخ، أيضًا لكل طالب قدرة استيعابية وسرعة فى التعلم، الأستاذ الذى يقف فى القاعة لن يستطيع بطبيعة الحال أن يلبى احتياجات كل طالب على حدة، وهنا تظهر أهمية الذكاء الاصطناعى الذى يقوم بالتدريس لأنه سيكون كالمدرس الخصوصى للطالب ويقوم بالتدريس له حسب طريقة تعلمه وسرعة تعلمه وفى الوقت المناسب له أيضًا، هو مدرس لا يمل ولا يكل. إذا أصبح لكل طالب هذا الأستاذ الاصطناعى فهناك الكثير من الأسئلة التى تحتاج إلى مناقشات مطولة:
• هل سيحتاج الأستاذ الجامعى للتدريس؟ أم سيركز على البحث العلمى والإشراف على رسائل الماجستير والدكتوراه؟
• كيف سيتم تقييم الطلاب؟ هل سنترك تلك البرمجيات تقيم كل طالب؟
• هل سنحتاج إلى الشهادة الجامعية لمرحلة البكالوريوس؟
• المرحلة الجامعية فى البكالوريوس ليست مجرد المادة العلمية، بل أيضًا التفاعل بين الطلاب والتجربة الإنسانية والثقافية، فكيف نحقق ذلك إذا كان كل طالب منكب على التحصيل أمام شاشة الكمبيوتر فى بيته؟
نحتاج إلى مناقشة كل تلك الأسئلة حتى نكون مستعدين للمستقبل.
• • •
أحب أن أنهى هذا المقال ببعض الاقتراحات لما يجب علينا فعله على المدى القصير فى جامعاتنا حتى نستفيد حقًا من الذكاء الاصطناعى.
• يجب تعميم استخدام الذكاء الاصطناعى فى العملية التعليمية فى الجامعات سواء فى التحضير للمحاضرات أو الامتحانات أو استخدامه «كمدرس خصوصى» للطلاب. الجيل الحالى لتلك البرمجيات لا يسمح له بعد بأن يصبح مدرسا خصوصيا مستقلا لكن يمكن استخدامه كعامل مساعد على استيعاب المعلومات.
• بالإشارة إلى النقطة السابقة نحب أن نشدد على أننا نريد الاستخدام الفعلى لبرمجيات الذكاء الاصطناعى وليس الاستخدام الشكلى له لنقول فقط أننا أدخلنا الذكاء الاصطناعى الجامعة. التدريب على استخدام الـ ChatGPT لا يعنى أننا نستخدم الذكاء الاصطناعى فى العملية التعليمية. الموضوع أعمق وأكبر من ذلك كثيرًا وهذا يقودنا إلى النقطة التالية.
• على أساتذة الجامعات وخبراء التربية وعلم النفس وخبراء علوم الحاسب التعاون فيما بينهم ودراسة تجارب الدول الأخرى التى نجحت فى إدماج الذكاء الاصطناعى فى العملية التعليمية ثم عمل خطة شاملة لإدماجه عندنا. نقطة غاية فى الأهمية: عندما نقول دراسة تجارب الدول الأخرى لا يعنى ذلك نقلها كما هى «عميانى» لأن هناك اختلاف ثقافات وموارد بين الشعوب المختلفة يجب أخذها فى الاعتبار.
هل يمكن أن نعيش حتى نرى أن الذكاء الاصطناعى أصبح هو المدرس وبذلك تختفى الجامعات، أو تركز فقط على البحث العلمى؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved