من يدافع عن الشرق الأوسط؟
جميل مطر
آخر تحديث:
الخميس 30 يونيو 2011 - 8:47 ص
بتوقيت القاهرة
أكرر السؤال الذى طرحه قبل أيام المحلل السياسى الأمريكى ريتشارد هاس. يسأل هاس لو افترضنا أن العالم صار فجأة بدون حلف أطلسى، هل كان الأوروبيون والأمريكيون يفكرون فى إنشائه؟ أردد السؤال لأننا كعرب سوف نبدأ قريبا فى توجيه سؤال مماثل. السؤال هو لو افترضنا أن النظام الإقليمى العربى لم يكن يحتوى بين آلياته ومؤسساته على اتفاقية للدفاع المشترك والتعاون الاقتصادى وقعت عام 1950، أى قبل أن يوقع الأوروبيون على اتفاقية الحديد والصلب وبعدها وفى عام 1958 وقعوا على اتفاقية السوق الأوروبية المشتركة، هل نستطيع الآن، أو نريد، أو يتوجب علينا، عقد اتفاقية للدفاع المشترك والتعاون الاقتصادى بين الدول لأعضاء فى جامعة الدول العربية أو بين البعض منهم على الأقل؟
الإجابة عن سؤال ريتشارد هاس بسيطة. لقد نشأ الحلف الأطلسى فى ظروف حرب باردة وفى وجود الاتحاد السوفييتى الذى كان يشكل فى نظر الأوروبيين الغربيين تهديدا خطيرا وحقيقيا للقارة الأوروبية. وما كان يمكن للدول الأوروبية الخارجة لتوها من الحرب العالمية بناء جيوش وأساطيل بحرية وقوات جوية وإقامة أحلاف وقواعد عسكرية.
كانت هناك الولايات المتحدة جاهزة تماما للمساعدة فى المساهمة فى بناء الجيوش وإقامة حلف تقوده بنفسها ليحمى دول أوروبا الغربية من التهديد القادم من الجيش الأحمر المتمركز فى قواعد قريبة من حدود هذه الدول. كانت جاهزة أيضا لتأمين عملية إعادة بناء اقتصادات أوروبا فى ظل مشروع مارشال ومشروعات للتكامل الإقليمى بعضها يضرب بجذوره فى النصف الأول من القرن الماضى ولم تتهيأ للتنفيذ وقتها بسبب هيمنة النازيين على الحياة السياسية فى أوروبا.
●●●
نشأ حلف الأطلسى لخدمة أغراض الدفاع عن مصالح أمريكا ولحماية أوروبا الغربية. نشأ واستمر عقودا مستندا إلى الوشائج التى تربط بين الشعوب المطلة على المحيط الأطلسى من الشرق والشعب المطل عليه من الغرب، ومعتمدا على واقع أن الطبقة السياسية الحاكمة فى الولايات المتحدة فى ذلك الوقت كانت فى غالبيتها تقطن أقاليم الشرق وشمال الشرق فى القارة الأمريكية، أى أقاليم معظم سكانها من أصول أوروبية. تغيرت أمريكا، فالطبقة السياسية الأمريكية صارت تجند أعضاءها من أقاليم فى الجنوب وفى الغرب، وهذه أقاليم يكثر فيها المواطنون الأمريكيون من أصول آسيوية وإفريقية ومن أمريكا اللاتينية. أمريكا تحكمها الآن طبقة سياسية لا تربطها بشعوب أوروبا روابط ووشائج قوية على عكس الحال فى القرن الماضى حين نشأ حلف الأطلسى.
تغيرت أوروبا أيضا. بمعنى أن الأوروبيين يعيشون الآن فى قارة لا يهدد أمنها وحرياتها عدو هائل قابع فى الجوار، أو عدو يتربص من موقع خارج القارة، كالعهد بهم عندما كان الاتحاد السوفييتى يهيمن على النصف الشرقى من القارة، وعندما كانت قوات حلف وارسو موجودة فى برلين ووارسو وبراج وبودابست. زال هذا التهديد وبزواله اختفى فى نظر الأوروبيين مصدر القلق الوحيد الذى لازمهم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ولم تتراجع الرغبة فى الاحتفاظ بالوجود الأمريكى بشرط ألا يكون مكلفا. لقد فشل الأوروبيون فى بناء منظومة دفاعية خاصة بهم، ولعلهم فى هذا الشأن لا يختلفون كثيرا عن العرب الذين تعاقدوا على إنشاء منظومة دفاعية وامتنعوا عن تنفيذ تعاقدهم. فشل الأوروبيون، ربما لأن الولايات المتحدة كانت موجودة لحمايتهم وربما لأنها لم تشجعهم على إقامة منظومة دفاعية مستقلة، رغم أنها طالبتهم بزيادة مساهماتهم فى ميزانية الحلف الأطلسى، وهى المساهمات التى لم تتجاوز حتى الآن الثلاثين بالمائة من ميزانية الناتو، بينما تتحمل أمريكا السبعين بالمائة. ولعل بعضنا يذكر الضغط الشديد الذى مارسته واشنطن على الدول الأوروبية الأعضاء فى الحلف لتتدخل عسكريا فى الحرب الأهلية فى البلقان، ومع ذلك لم تتدخل إلا متأخرا جدا.
●●●
مازال تأثير الناتو خارج أوروبا بالغ الضآلة، باستثناء مشاركته فى الحرب الأفغانية بما يقارب خمسة وثلاثين ألفا من جنوده الأوروبيين، ومازالت ألمانيا ترفض المساهمة بقوات عسكرية فى أغلب مهمات الحلف فى الخارج باستثناء أفغانستان. ومازال الحلف يقدم الدليل بعد الدليل على عجزه وضعفه، وآخر الشواهد دوره فى حرب ليبيا، فلا إنجاز تحقق حتى الآن يشير إلى أن قيادة الحلف وأعضاءه بذلوا جهدا كافيا واستعدادا جيدا للدخول فى هذه الحرب. والنتيجة مخيبة لآمال الأمريكيين الذين ظنوا أن الناتو بذراعه الأوروبية يستطيع التعامل مع أزمة هكذا قريبة وهكذا حيوية لمصالحه وهكذا إنسانية الهدف كما ادعت واشنطن. يتأكد فى ليبيا الآن أن مشكلة الناتو ليست فى أن جنوده لا يتجاوز عددهم المليونين وليست فى أن ميزانية الحلف لا تتجاوز الثلاثين مليار دولار، ولكن المشكلة تكمن فى التنسيق والتنظيم والنوايا واسلوب إنفاق الأموال.
●●●
تغيرت أمريكا وتغيرت أوروبا وتغيرت أيضا توازنات القوة الدولية. لم تعد أمريكا قادرة على مواصلة الضغط على أوروبا بالحماسة التى كانت تقود بها المعسكر الغربى خلال النصف الثانى من القرن الماضى. ومن ناحية أخرى كانت المؤسسة العسكرية الأمريكية قد دخلت وارتاحت إلى تجربة التحالفات الثنائية وتحالفات الراغبين، هذا على الأقل ما فعلته فى حرب العراق. ومن ناحية ثالثة، تجرب واشنطن منذ مدة، وربما تستمر فى المحاولة، أسلوب التحالف مع دولة إقليمية كبرى فى كل إقليم تنسق معها خطط الدفاع عن الإقليم، هى الآن تسعى جديا مع أستراليا والهند لتقوم كل منهما بدور الحليف الاستراتيجى، أو المسئول الأكبر، عن أمن اقليم جنوب شرقى آسيا وإقليم جنوب آسيا على التوالى. يلفت النظر أيضا الجهود الدبلوماسية التى تباشرها واشنطن حاليا لتشجيع فيتنام على تولى مسئولية حماية شبه جزيرة الهند الصينية ضد التهديد الصينى مستفيدة من العداء التاريخى المتأصل بين أقاليم جنوب الصين من جهة وفيتنام من جهة أخرى.
●●●
أما أمن الشرق الأوسط فلا تخفى جهود واشنطن الراهنة مع كل من الهند وتركيا وإسرائيل والسعودية لتلعب أى منها دور اللاعب الإقليمى المشارك، وأظن أن ثمار هذه الجهود محسوسة، ولن يحد من مفعولها واستمرارها سوى استئناف مصر مسارات عودتها لدور تستحقه.
ليس سرا أن مصرنا الجديدة واقعة تحت ضغوط للتراجع عن محاولة بدأت لاستعادة هذا الدور، وليس سرا أنه مطلوب منا أن نسلم علنا بأننا لا نطمح إلى تغيير ملموس فى سياسة مبارك الإقليمية.