عجائب التجاوب الثقافي العربي
صحافة عربية
آخر تحديث:
الإثنين 30 يونيو 2025 - 7:00 م
بتوقيت القاهرة
نشرت صحيفة الخليج الإماراتية مقالًا للكاتب عبداللطيف الزبيدى عن مشهد الثقافة العربية الراهن، متوقفًا عند حالة من التوافق العجيب بين مختلف مكوّناتها على الابتعاد عن القضايا الكبرى التى تمسّ مصير المجتمعات. ومن خلال طرح تأملى ناقد، يدعو الكاتب إلى إعادة النظر فى دور المثقف والمبدع، وإلى استعادة الثقافة لوظيفتها الأصيلة بوصفها صوتًا نابضًا يعكس تطلعات الشعوب وهمومها.. نعرض من المقال ما يلى:
هل يُعقل ألا تكون هذه الغرائبيّات الثقافية قد خطرت لك على بال؟ ثمّة توزيع أوركسترالى بين مكوّنات الثقافة، آدابًا وفنونًا، من طراز العجب العجاب، والدماغ الأندلسى، ابن حزم، يقول: «من العجب ترك العجب».
دعنا فى القرن الحادى والعشرين، وحسبنا ما جرّ من حادثات، لها فى كل يوم حديث وتحديث. أليس غريبًا أن أوساط مكوّنات الثقافة العربية يسودها تجاوب وتناغم وتوافق، فى سلوكيات متماثلة، إزاء ما يجرى فى ظروف الزمان والمكان فى العالم العربى؟ من المبكّر أن تعجل بالحكم على المثقفين، الذين هم من أثمن ثروات الأمّة. لا ينبغى القول، لا قدّر الله، إن الشعر والفنون المسرحية، الموسيقى، الفنون التشكيلية، وشركات تفريخ المسلسلات، وكل ما إليها، تشترك فى الاضطلاع بدور المتفرّج المتقرفص على رصيف الأحداث، تمامًا مثل برودة الرتابة لدى من يشاهد موجات الأمواج وهى تسترخى على رمال الشاطئ.
النقاد ظرفاء، سيقفز بعضهم هازئًا: «أتريد أن تعيد إلينا مطارق الالتزام المفروض فى العهد الستاليني؟ أفِق خفيف الظل، فالإبداع حريّة أو لا يكون». كلام سليم قويم، لا ينقصه غير العقل والعمق، فما هذا الإبداع الذى لم يتألق إلا بالبدعة؟ وأين الشموس التى لا يراها أحد؟ وماذا يعنى الإبداع الذى لا يعنيه ما يحدث لأربعمئة مليون عربي؟ لكن، أنت محقّ فى أن الناس يشطحون بعيدًا فى توقعاتهم، ينتظرون من الماء جذوة نار، يتوهمون أن شعار شكسبير سيغدو: «أعطنى مسلسلات، أُعطِكَ أمّةً عظيمة».
أمر محيّر، كيف اتفقت أوساط مكوّنات الثقافة، على النأى بالنفس عن كل القضايا المصيرية؟ لا أحد تبلغ به السذاجة حدّ مطالبة المثقفين والمبدعين والمنتجين، بانتهاج الخطاب المباشر فى أعمالهم، لكن ذلك لا يعنى أن نطلّق بالثلاث أمّهات القضايا: دعائم الهوية، الأمن القومى، النهضة التعليمية، التنمية، البحث العلمى، العمل العربى المشترك.
ماذا تعنى الثقافة إذا لم تكن مركز جاذبيّة؟ هل يستطيع مثقف أن يتصور الثقافة بمعزل عن الأوطان؟ أقصى ما تطمح إليه أيّ ثقافة هو أن تغدو عالميةً إنسانيةً أمميّةً، لكن ذلك هو الأمل الأعلى والطموح الأسمى، فحينئذ تصير المسئولية أمانةً عرفانيةً، ترى البشرية كلها فى جسد واحد، بروح واحدة، لا لون ولا جنس ولا عرق. إذا ارتقى الكائن إلى تلك الذرى، فقد انعتق الآدمى من حيوانية الافتراس السائدة دوليًّا، وعندها لن يسأله أحد عن الإبداع، لأنه سما إلى الإشعاع.
لزوم ما يلزم: النتيجة الإعجازية: أعظم ما ينتظره العرب من مثقفيهم، هو إعادة الثقافة إلى أحضان الشعوب.