اختبار الحرية والوعى
طلعت إسماعيل
آخر تحديث:
الإثنين 30 سبتمبر 2019 - 11:45 م
بتوقيت القاهرة
مصر تواجه تحديات داخلية وخارجية فى غاية الخطورة، هذه حقيقة لا يمكن إنكارها، ومصر لا تزال تحاول الإفلات مما يحاك لها فى ظل إقليم مرتبك يغلفه حزام من نار، وتربص دولى ينتظر فرصة تحقيق مكاسب ربما ترى بعض القوى أنه حان قطافها، هذه أيضا من جملة التحديات التى يدركها صاحب كل عقل، لكن يتنوع الاجتهاد حول كيفية مواجهة تلك الصورة المخيفة.
خرج المصريون فى 25 يناير، فى وجه نظام لم يحقق لهم عدلا اجتماعيا، ولم يعبر بهم إلى أفق سياسى أكثر حرية وانفتاحا على قيم يمكن لها أن تجعل من بلدهم واحدة من القوى الكبرى فى إقليمها على الأقل، تقود ولا تقاد، فقفز إلى قمرة القيادة جماعة أرادت جر السفينة إلى المياه الضحلة الآسنة، قبل أن يخرج المصريون فى 30 يونيو لإطاحتها، وسعيا للوصول إلى الأهداف ذاتها فى العدل والحرية والكرامة الإنسانية.
انتظر المصريون سنوات طويلة للخروج من عنق الزجاجة التى وضعتهم فيها أنظمة وعدت بجلب المن والسلوى فإذا ضيق العيش كان الحصاد المر. تحمل الناس، ولا تزال، بوعى لا يعرفه غير شعب خبر الأيام وترقد تحت جلده قشرة الحضارة التى كانت فجرا للضمير الإنسانى، غير أن ذلك لا يمكن الرهان عليه فى كل الأوقات، خاصة فى ظل المشهد المضطرب الذى يحيط بنا من كل جانب.
والسؤال ماذا يريد المصريون لتجاوز هذه المرحلة الصعبة من عمر بلادهم؟ وهل ما يتخذ من سياسات يلبى ما يمكن أن يساعد فى التعامل مع الأفخاج والأكمنة المنصوبة لجر مصر إلى وضع لا يحمد عقباه؟
الأجابة بسيطة، وإن كنا ندرك أن التطبيق ليس بذات البساطة.. يريد المصريون نظاما اقتصاديا يضع فى سلم أولوياته تسهيل حياة الفقراء ومحدودى الدخل وغالبية الطبقة المتوسطة التى التهمتها فاتورة الإصلاح الاقتصادى المؤلمة.. يريد المصريون تطبيقا حقيقيا لمفهوم العدالة الاجتماعية فيتحمل من جنوا الثروات، واستحوذوا على خيرات هذا الوطن النصيب الأكبر من تلك الفاتورة.
تريد الطبقة السياسية، من الأحزاب والقوى الوطنية، فتحا للأفق العام، وألا ينظر لأصحاب الرؤى المغايرة لما هو مطروح من سياسات، بعين الشك والريبة.. نعم هناك من خرج عن الصف وجنح للعنف، وهؤلاء ليس لهم فى المعادلة مكان، غير أن هناك من يقدم اجتهادا وطنيا صادقا يستحق الاستماع والالتفات إليه.
ننتظر سياسات تمنع الاحتقان، وتمتص الأصوات الغاضبة التى ارتفع بعضها مؤخرا، ولا نريد أن يكون الحل فى يد أجهزة الأمن التى تتحمل الآن عبئا ثقيلا، لا يجب أن تتحمله وحدها، من دون ظهير شعبى حقيقى، صادق وأمين.
نريد إعلاما يتمتع بهامش واسع من الحرية، والمهنية والمصداقية، وصحافة قوية تفتح الملفات ولا تخشى الاقتراب مما يهم الناس حتى لا تتخطفهم قنوات ووسائط إلكترونية مشبوهة تستغل فراغا لا يمكن أن يملأه الصوت الواحد، ومن بارت تجارتهم فى بيع «الحواوشى» عبر بعض الشاشات.
نريد أن نلمس ونصدق ما طرحته بعض الأصوات التى غابت طويلا، ثم عادت، فى الأيام الأخيرة، عبر شاشات مصرية لتناول ملفات شائكة بطرح جرىء، حتى لا يشكك البعض فى دعوتها إلى تعديل سلم الأولويات السياسية والاقتصادية والاجتماعة، أو مطالبتها بالإسراع فى إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ممن لم تتلوث أيديهم بالعنف والإرهاب، وأن تختفى تهم «نشر الأخبار الكاذبة» التى توجه للمخالفين فى الرأى من التيارات المعروفة بتوجهاتها الوطنية المخلصة.
وأخيرا نريد لملمة النسيج الوطنى واستعادة اللحمة مفقودة، وأن ندرك أن كل معارض للسياسات القائمة ليس عدوا، مع إيمان راسخ بأن حرية الرأى والتعبير هى صمام الأمان فى وجه العواصف والأنواء.. فقوة الأوطان تكمن فى تنوع وتعدد الرؤى المقدمة لحل المشكلات.. ومن قبل ومن بعد يجب أن نضع نصب أعيننا أن مصر تستحق من الجميع تقديم كل التضحيات.