محاولات هروب من عقوبات محتملة!
معتمر أمين
آخر تحديث:
الخميس 30 سبتمبر 2021 - 8:10 م
بتوقيت القاهرة
اختارت السلفادور اعتماد العملة المشفرة «البيتكوين» كعملة رسمية فى البلاد، وقامت بشراء 400 بيتكوين بما يوازى 20.9 مليون دولار أمريكى مطلع سبتمبر الجارى. وقالت الحكومة إنها فعلت ذلك لتسهيل تحويلات العاملين فى الخارج، التى تواجه بعض الصعوبات. لكن يبدو أن الحجة لم تكن على هوى الناس، فاندلعت مظاهرات مناوئة فى السلفادور رفضا للقرار واتهمت الرئيس بأنه ديكتاتور، وأشعلت النيران فى بعض ماكينات صرف البيتكوين. وهو ما رد عليه رئيس الدولة، الفلسطينى الأصل، بتغيير الاسم الذى يستعمله على حسابه على موقع تويتر إلى «الديكتاتور الجميل» فى إشارة لعدم اكتراثه بالمظاهرات وثقته فى صحة القرار. وتعتبر السلفادور أول دولة فى العالم تعتمد البيتكوين كعملة رسمية يمكن مبادلاتها بعملة البلد المحلية.
الغريب فى الأمر أن الديكتاتور الجميل قرر استعمال البيتكوين ولم يقرر استعمال العملة الرقمية. وبالرغم أن الاثنين عملتان رقميتان، لكن توجد فوارق هائلة بينهما. فالبيتكوين عملة مشفرة لا يصدرها أى بنك مركزى، وتستعمل على نطاق واسع فى مبيعات الكثير من الشركات فى بعض البلدان الغربية، وجنوب شرق آسيا، ولها استخدامات محدودة فى بقية دول العالم، كما تجرم استخدامها بعض الدول ومنها مصر. وتتميز البيتكوين كعملة مشفرة بعدم الشفافية، فمن النادر أن تعرف من الذى يشترى ومن الذى يبيع. وكل ما تراه أمامك هو تحويلات تتم بدون معرفة الأطراف سواء الراسل أو المستقبل. وهى أقرب ما يكون لمفهوم السوق السوداء، ولكنها ليست سوقا وإنما وسيلة لمبادلة الأموال بالسلع والخدمات. وعادة تخشى الدول من هذه الوسيلة لأنها خارجة عن سيطرة البنوك المركزية، وتقلص من سلطات الدولة. فلا الدولة تصدر البيتكوين وقد لا تستطيع معرفة من يقف وراء التعاملات التى تتم. وحتى بعد مغامرات شركة تسلا، رائدة صناعة السيارات الكهربائية واعتمادها على البيتكوين فى مبيعاتها، فإن البيتكوين لم تحدث اختراقا عالميا واسعا على الصعيد التجارى أو الاقتصادى. وهنا تأتى أسبقية ما فعلته السلفادور، فلقد فتحت الباب للتعامل الرسمى مع هذه العملة المشفرة، وأصبغتها بالشرعية القانونية المحلية. وسيكون لهذه الخطوة تبعات عدة، منها الجيد مثل تسهيل التحويلات من وإلى السلفادور. ومنها السلبى، بسبب الذبذبة الشديدة فى سعر صرف البيتكوين. وقد يحدث الأخطر وهو تحول السلفادور لوسيلة أو سوق أمن لغسيل أموال شبكات الجريمة المنظمة التى تستعمل البيتكوين والعملات المشفرة بكثافة.
•••
تجربة السلفادور جديرة بالمتابعة، لأن دولا أخرى ستتبعها لأسباب منها الفكاك من العقوبات الأمريكية. فأى تحويل يجرى فى العالم ويستخدم الدولار لابد أن يمر عبر بنك نيويورك. ولن يتم أى تحويل من أو إلى دولة تقع تحت العقوبات الاقتصادية الأمريكية. لكن هذا النوع من السيطرة يتلاشى فى سوق العملات المشفرة. بمعنى آخر، العملات المشفرة قد تتحول لأداة فى يد دول تريد مقاومة الهيمنة الأمريكية على الهيكل المالى العالمى. وإذا نجحت تجربة السلفادور ولم تحدث تبعات اقتصادية سلبية فإن الأرجح تزايد عدد الدول التى تخوض هذه التجربة وتوسيع شرعية العملات المشفرة. علما بأننا لا ندرى إذا كانت دول من التى تقع عليها العقوبات الأمريكية، مثل سوريا أو إيران، تستعمل بالفعل هذه العملات. الشاهد إن شرعنة البيتكوين فتحت بابا حقيقيا بين الاقتصاد الرقمى والاقتصاد الواقعى. وكلما تسللت العملات المشفرة للأسواق واختلطت بعملات الدول، كلما زاد انتشارها وتأثيرها على الاقتصاد الحقيقى. هذا والبنوك المركزية عبر العالم تعرف جيدا مخاطر العملات المشفرة. فهى بالنسبة لهم تعتبر معادلة صفرية. فانتشار العملات المشفرة معناها انتشار أموال خارج سيطرة البنك المركزى، فلا هو يصدرها، ولا هو يتحكم فى كميتها وتدفقها. بل قد تتراجع قدرة البنك المركزى على ضبط كمية الأموال داخل الاقتصاد، ومن ثم ستتعثر جهود السيطرة على التضخم أو خطط تحفيز الاقتصاد للخروج من حالة الركود. جدير بالذكر أن بعض الأجهزة الأمنية فى العالم قد يكون لديهم سبل للتحقق من مستخدمى هذه العملات، لكن هذا لا يعنى وقف الصفقات أو تعطيل استخدام العملات المشفرة، بل يعنى متابعة الشبكات الإجرامية والحد من خطورتها.
•••
يبقى السؤال المحير، لماذا آثرت السلفادور الاعتماد على العملات المشفرة فى التحويلات بدلا من إنشاء عملتها الإلكترونية؟ فلقد وافق بنك التسويات الدولى على فتح باب التحويل بين البنوك المركزية باستخدام العملات الإلكترونية. وهى ليست عملات مشفرة، ولكنها عملة رقمية يصدرها البنك المركزى فى أى دولة. ولقد بدأت دول تجاربها على إصدار واستعمال هذه العملات، ومنها الصين فى أربع مدن كبرى منذ منتصف 2020، ويتبعها تجارب عدة الآن فى مختلف بلدان العالم. إذن لماذا تؤثر دولة استعمال العملة المشفرة وتحرم نفسها من بيانات المستخدمين؟ فالعملة الإلكترونية التى يصدرها البنك المركزى تشمل بيانات تفصيلية عن كل المعاملات المالية التى يقوم بها الفرد، مهما صغرت. فلماذا إذن يستغنى ديكتاتور السلفادور الجميل عن هذه الوسيلة للسيطرة؟ علما بأن العملة الرقمية التى يصدرها أى بنك مركزى تواجه تحديا يتمثل فى رغبة الناس فى الحفاظ على خصوصيتهم. ولذلك شكك الكثيرون فى نجاح العملات الإلكترونية مقابل العملات المشفرة لهذا السبب. التفسير الأقرب فى حالة السلفادور أن الرئيس السلفادورى ينوى الاستفادة من قرار أصدرته المحكمة العليا فتح الباب لتعديل الدستور وتعديل مدد الرئاسة لتصبح ثلاث مرات، ومن ثم يستطيع الديكتاتور الجميل الترشح لفترة رئاسية ثالثة فى 2024! هذا وتعتبر المعارضة القرار بمثابة انهيار للديمقراطية فى البلاد، لاسيما وإن الديكتاتور الجميل أحال 240 قاضيا للتقاعد يمثلون ثلث القضاة، وقد يفعل الشىء نفسه مع المدعين العموميين. ولقد انتقدت واشنطن هذه القرارات بما فيها تعديل الدستور. فهل يخشى الديكتاتور الجميل من عقوبات اقتصادية محتملة ويعد العدة للمقاومة عبر استخدام العملات المشفرة؟