«لصوص الكنز المفقود».. جريمة أثرية على خلفية قومية!
قضايا إسرائيلية
آخر تحديث:
الثلاثاء 30 سبتمبر 2025 - 7:32 م
بتوقيت القاهرة
نشر المركز الفلسطينى للدراسات الإسرائيلية (مدار) مقالًا للكاتبة سماح بصول، توضح فيه الفكرة الرئيسية وراء سلسلة وثائقية إسرائيلية بعنوان «لصوص الكنز المفقود»، وهى استغلال موضوع سرقة وتجارة الآثار لتكريس وتغذية السردية الصهيونية، حيث تصور الفلسطينيين (البدو والمسيحيين) كـ«اللصوص» و«الأشرار» الذين يهددون «الكنوز الإسرائيلية» التاريخية على خلفية قومية، بينما يظهر الإسرائيليين كـ«الأخيار» و«حماة الإرث اليهودى» فى الأرض، ما يساهم فى تأكيد أحقيتهم التاريخية وإضفاء الشرعية على الصراع والاحتلال.. نعرض من المقال ما يلى:
قامت قناة «كان» الرسمية الإسرائيلية فى شهر يوليو المنصرم بعرض سلسلة وثائقية جديدة حول عالم الآثار تحمل اسم «لصوص الكنز المفقود»، إخراج تسفيكا بيندر. عرفت السلسلة كوثائقى - جريمة، ليس بفعل موضوعها وكيفية سرد خبايا عالم التنقيب غير القانونى عن الآثار (وفق القانون الإسرائيلي) والمتاجرة بها فحسب، بل بإضافة قراءة بصوت الممثل أورى جابريئيل الذى عرف فى التليفزيون والسينما بأداء أدوار الشر والإجرام، فرفع ذلك منسوب الإثارة. أما الذروة فتتجلى حين الكشف عن هوية لصوص الآثار المهرة - الفلسطينيون، لذا تفتتح السلسلة بتصريح مكتوب حول تدخل الأذرع الأمنية المختلفة للقبض على اللصوص مع الاحتفاظ ببعض المعلومات لحساسية القضية.
منذ سنوات طويلة تعمل سلطة الآثار الإسرائيلية بالتعاون مع كليات أكاديمية وخبراء وعلماء للعثور على مخطوطات فى الصحراء جنوب فلسطين، والمسماة بالعبرية «صحراء يهودا»، وذلك بعد أن عثر راع صدفة على «مخطوطات قمران» فى جرار داخل كهف، وهى مخطوطات كتبت عليها نصوص العهد القديم. خلال البحث عن هذه المخطوطات المكتوبة باللغة العبرية من فترات زمنية مختلفة، يعثر الباحثون على آثار أخرى لا تقل أهمية بالنسبة لهم عن المخطوطات. لكن الاستماتة فى هذه الحكاية كلها هو العثور على أى كلمة بالعبرية تربط اليهود بهذه الأرض حتى لو كانت مكتوبة على قطعة من جلد ماعز عمرها ألف عام تحمل آثار بول لحيوان الظربان. هكذا يفتح فصل آخر من فصول الصراع، ويصبح لص الآثار الفلسطينى مجرما على خلفية قومية.
تعامل الإعلام الإسرائيلى مع السلسلة بالكثير من الإعجاب، وكتبت المقالات التى تصورها كمادة تليفزيونية رشيقة المحتوى والأسلوب، وأثنت على قدرة المخرج تحويل مادة أكاديمية جافة وموضوع بعيد عن الهم اليومى للمشاهد، إلى مسلسل إثارة وترقب. لكن فى خلفية هذا الثناء كان هناك شرير مشترك للمقالات جمعاء: «العربى» - فوصفه موقع «معاريف» فى عنوانه «البدوى الذى يعرف أكثر من عالم الآثار»، إن فى إضفاء الإثنية هنا دلالة على أن الصراع يتعدى كونها تجارة رائجة فى مختلف أنحاء العالم، فى هذه البلاد كل التسميات والدلالات مدروسة للإبقاء على الصراع قوميًا، ولإضافة المزيد من الأوصاف الشائنة إلى ملف العدو.
• • •
تعرض الحلقة الأولى دوافع تشكيل وحدة خاصة والخروج لتنفيذ عملية استخباراتية. تنطلق العملية التى تضم عملاء سريين، ورجال استخبارات متقاعدين، ومندوبى سلطة الآثار، وشرطة مكافحة سرقة الآثار، وسماسرة ولص آثار فلسطينى عظيم الخبرة، للكشف عن هوية السارق ومكان المخطوطة الثمينة. يجلس سعيد أمام الكاميرا ويواجهها بلغة عبرية واضحة: «أنا سارق الآثار. كان والدى سارقًا وعلمنى المهنة، وسأعلم ابنى المهنة أيضًا. وإن قبضوا على، فلن يكون هناك أى ضرر. سأقضى عامًا، عامين، ثلاثة أعوام فى السجن، وعندما يطلق سراحى، فى طريقى إلى المنزل، سأشترى جهاز كشف معادن وأستمر فى سرقة الآثار. هذا أنا، وهذه مهنتى». إن هذه المواجهة ليست بين سعيد الذى تستميله سلطة مكافحة سرقة الآثار للوصول إلى منافسيه، بل هى جرعة أخرى من الاستفزاز للمشاهد الإسرائيلى الذى بات يشعر الآن بالخطر على كنوز دولته.
منذ البداية تشى قراءة النص فى الخلفية إلى التعاطى مع القضية بقالب التشويق، ويشير اختيار الكلمات فى النص إلى الفصل ما بين «نحن» و«هم»، تصاحب القراءة موسيقى غربية إلا أنها سرعان ما تتبدل وتميل نحو الشرقية الغنية بصوت العود بتزامن الإعلان عن هوية اللص: «البدو».
أطلق اسم «وردة فى الصحراء» على العملية السياسية الدينية الأثرية التى تهدف من جهة إلى العثور على بقايا مخطوطات، ومن جهة أخرى للكشف عن هويات مجموعة سارقى الآثار، اسم يرتبط بشكل وثيق مع مفردات الحركة الصهيونية التى روجت للاستعمار فى فلسطين - إحياء القفار.
• • •
تعرض الحلقتان الثانية والثالثة قصة تاجر الآثار «السكير من بيت لحم»، وهذا الوصف ليس عشوائيًا، إنه العربى الذى يمكن إغواءه بقنينة كحول رخيصة، يمكن شراء ذمته والاستخفاف به، وهو العربى المسيحى - كما يحددون هويته، فى مقابل البدوى الذى يعيش فى بيئته الطبيعية التى تخلو من مظاهر التحضر. بعيدًا عن أن ممارسة سياسات التفرقة ومحاولات الإيقاع بالتاجر لا تؤتى ثمارها، إلا أن التوقف هنا هو عند وصف سكان الصحراء، واستخدام مصطلح «بيئتهم الطبيعية» الذى يصب ضمنًا فى صالح مناهضة الاستيطان جنوب فلسطين.
فى الحلقة الخامسة يختار صانع السلسلة إعادة المشاهد الإسرائيلى إلى الواقع، وخلق ترابط بين السنوات والشخوص والأحداث، والإبقاء على الخط الواضح الفاصل بين «نحن وأعدائنا». يتم التركيز خلال الحلقة على واحدة من المشاركات فى عملية التنقيب ضمن الحشد الإسرائيلى المكون من 400 متطوع ومتطوعة- الكتيبة البرتقالية- كما يسمونها. تحتل هذه الشخصية جزءًا مهمًا من الحلقة الأخيرة، ليس لأهمية بقايا حذاء عمره مئات السنين وجدته خلال التنقيب، إنما لكونها أخت ثاكل، فقد قتل أخوها فى عملية نفذها فلسطينيون. تقول إنها ولدت ونشأت فى مستوطنة كريات أربع، وكان التجول فى الصحراء جزءا من الاحتفالات بالأعياد وقضاء نهايات الأسبوع. وقد انضمت للمجموعة كنوع من إحياء ذكرى أخيها الذى أحب التسلق والصحراء والمغر والاكتشاف. تمر هذه المعلومات بسلاسة لتطبيع وجود أكبر مستوطنات جنوب الضفة الغربية، من جهة، وخلق حالة من الانتماء والتجند لمهمة وطنية من الدرجة الأولى.
• • •
بنظرة واسعة على مجمل الحلقات يمكن رؤية سيناريو فيلم، هناك أخيار وأشرار، وهناك شرطى وسارق، لكن القصة تنتهى بنهاية الفيلم فيما تستمر قصة الآثار فى التطور. إن التاجر المحترف يبقى محترفا وخبيرا يتمتع بموهبة خارقة ويعتبر مستشارًا موثوقًا ما دام هو يهودى، أما العربى فهو سارق مهما كانت درجة احترافه ومهما اشتدت حاجة الطرف الإسرائيلى إليه. فى اختيار الآثار عامل سياسى ضبابى، ليس صراعًا على الأرض مع شعب لا يمت بصلة لها، لقد سبقناهم بـ2000 سنة، وتركنا أثرنا هنا فى أكثر الأماكن صعوبة كى يجده أبناء سلالتنا، وكل من يضع يده عليه من الأغيار فهو مجرم - إنها قصة إسرائيلية بكل معنى الكلمة، يكتب موقع «واينت».
تصور السلسة خبراء الآثار وسلطات مكافحة السرقة على أنهم الشجعان الذين يخوضون معارك من أجل قطعة جلد عمرها آلاف السنوات، وهم يعلمون أنها ملك للدولة فى حال العثور عليها، وأنها تساوى ملايين الدولارات فى السوق السوداء، لكنهم يختارون حمايتها وعرضها فى المحافل الأكاديمية والمتاحف لتكون شهادة على وجود «كنوز إسرائيل». تخصص الدولة ميزانية تبلغ ستة ملايين شيكل سنويا لمكافحة سرقة الآثار نظرًا لاحترافية أهل المنطقة الذين يجيدون التعامل مع التضاريس الصعبة والتفوق عليها. لكن هذا الرقم ليس مهمًا، المهم هو التجند والتحشيد فى جبهة قتال جديدة لا يتم النصر فيها على الأعداء سارقى الإرث والتاريخ إلا بالعمل معًا.