لا مساحة للفرح

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الثلاثاء 30 أكتوبر 2012 - 1:35 م بتوقيت القاهرة

أن يأتى العيد هو ان تسترجع لحظات الفرح ربما حتى لو لم تكن حاضرة فكل ما عليك ان تبحث بين أرفف الذاكرة عن صور لايام كانت فى مدن الفرح.. هى نفسها تلك التى اتشحت السواد او تعطرت بالبارود وانتشر الدم فى أزقتها وفاض.. تبحث عن بعض ذاك الفرح الذى كان فلا استجابة.. هنا ترقد جثة وهنا لايزال الامن كما كان او كما كانوا يريدون «تمام يا فندم الامن مستتب» وهناك بقايا نساء وأطفال يطلون على الغوطة يبحثون عن من يستمع لاغاثاتهم.. صوتهم لا يعلو فوق صوت «المعركة» !!! (عجبى).. وعلى بعد خطوات عند المدن الاخرى يحتدم النقاش حتى يتحول الى اصطفاف لجبهات ويفترق الصديق عن الصديق وتبتعد المحبة.. فيزاح الفرح جانبا وتكثر الوجوه المكفهرة وكأنهم فى حرب على الكفرة والكافرين!! وتتحول المدن الى مقابر للأجساد مرة وللقلوب مرات وللفرح الف مرة.

 

 

 

●●●

 

فى زمن البكاء والنواح لا مساحة للفرح.. يجلس اللبنانيون على حافة مدينتهم ينتظرون القادم بتوجس وخوف.. هم من احترفوا فن الفرح بين الطلقة والاخرى.. أذكر وأنا صحفية صغيرة فى حربهم الاهلية انهم وانا سرقنا اللحظة، وضعت كاميرتى على طرف الموجة وخبأت افلامى وصور صبرا وشاتيلا المحاصرين بين ثنايا ملابسى ورحت مع بعض الاصدقاء نسرق اللحظة بل اختطفناها ورحلنا الى الشاطئ كانت الاجساد العارية الا من بعض قماش تفترش الرمل وتلتحف الشمس وصوت القاذفات يقترب دون ان يلتفت اليه احد كأنه جزء مكمل للمشهد العام.. بيروت الان تتذكر بعد ان استعادت بعض عافيتها المصطنعة ربما وانقسم اهلها مرة اخرى على انفسهم الى شظايا منتهية الصغر. فعروس المدن عاصمتهم لم تزرع الفرح وتسقيه قطرة قطرة بل هى لا تزال مسرحا لكل حرب تعصف بهذه المنطقة.. هى مدينة المدن التى تصورت انها لم تعد الوجبة الرئيسية لنشرات الاخبار وفجأة عادت تلك الغيمة السوداء.. زحفت من جبالها لتستقر عند تلك الساحة التى لم تعرف ربيع العرب كما يقولون بل شاركتهم خريفهم القادم! ساحات مدن العرب عرفت الدم مع كثير من الفرح حين اعلن عن سقوط العروش وساحة بيروت بقيت هى الوحيدة تحترف صناعة النعوش!

 

 

 

●●●

من بيروت التى لا تبعد سوى قصيدتين عن دمشق يتكئ الحزن على ضفاف انهار الدم.. تتشح النسوة بالسواد، يهرب الخوف الا من عيون الاطفال بل هو الرعب..فالاطفال لا يعرفون الحقد المخزون فى أروقة باب تومة وباب شرق.. ذاك المتجول فوق جثث أهاليهم واحبتهم. تقترب من المسجد الاموى حيث لا حرمة للمقدسات هنا بقايا قذيفة والموت يغلف المكان. أمام باب الجامع فى ذاك الطريق المؤدى الى الحميدية هرب الباعة ببضائعهم واغلق الحمام الشعبى المشهور ابوابه.. اما خلفه فاسدلت تلك القهوة ستائرها لا مكان لكوب شاى ساخن فى برد دمشق القادم ولا كسرة خبز لافواه طالما كانت توزع المأكولات على مطابخ الكون...دمشق اوصدت ابوابها فى وجه العيد لا وقت للفرح هنا ايضا..

 

 

 

فى دمشق

 

ليس بوسع الأصدقاء

 

أن يموتوا..

 

أو يخونوا..

 

او يهاجروا..

 

ليس بوسع الشارع

 

ان يخلو من المارة!

 

ليس بوسع الشمس

 

الا تصحو عند الشروق!

 

فى دمشق

 

ليس بوسع السجون ان تغير أمكنتها

 

اعتدنا زيارتها..

 

وذرف الأحزان..

 

وراء جدرانها..

 

ليس بوسع بيوت الأصحاب ان

 

تغلق!

 

ولو لاسباب بسيطة

 

ليس بوسع البائع أن يغلق

 

فى يوم عطلته..

 

ليس بوسع الحبيب أن يهاجر!!!

 

(الشاعرة السورية هالا محمد)

 

 

 

●●●

 

بقيت بعض مدن النفط وحدها تخيط الحرير فى شكل اقواس من القزح المصطنع كما هى. تفتح ابوابها لزوار يشترون الفرح من باعة جائلين واسواق بحجم مدن غلفوها بالسوليفان وجلسوا فى حضن اجهزة التكييف وتصوروا ان هكذا تكون المدن.. مدن حقيقية تبحث عن الفرح ومدن الملح توزع الفرح المصنع فى علب من القطيفة (عجبي)! اما الأخرى منها فقد نال أهلها من النفط لونه ولم يتناولوا حلواه ودولاراته. صرخوا كيف تكونوا كما عذارى تلك العين العذبة فى أرض دلمون.. يرددون ما قاله أهلها منذ القدم «عذارى تسجى البعيد وتخلى القريب» هى المياه العذبة التى تسقى المحارة فتولد لؤلؤة لا مثيل لها.. هى المياه العذبة التى خلقتكم وهى نفسها التى ستأتى بغيمة مطر فى خريف لا زال يلتحف غيظ صيفكم الحارق..

 

مدن غابضة على الجمر هى مدن لا تعرف الفرح الا بعد حين !!!

 

 

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved