«قصة غرام»..
محمود قاسم
آخر تحديث:
الجمعة 30 أكتوبر 2020 - 9:45 م
بتوقيت القاهرة
> مشهد فى هذا الفيلم يجعلنى أشعر بالحزن على ما جرى فى بلادى، لو عشت أعمارا أخرى، فهناك عربة حنطور تتحرك فى ريف مصر، حيث تمتد الخضرة إلى ما لا ينتهى البصر، هذه الأرض شديدة الخصوبة تحولت على مدى ثلاثة أرباع قرن إلى بنايات خرسانية، تناطح الطبيعة بشكل بالغ الشراسة، الفيلم هو «قصة غرام».. واحد من الأفلام الأخيرة للمخرج كمال سليم عام 1945، والمرجح انه توفى أثناء العمل به بدليل أن اسم محمد عبدالجواد مكتوب فى العناوين كمخرج إلى جوار كمال سليم، والمعلومات تقول إن كمال سليم أخرج الكثير من مشاهد فيلم «ليلى بنت الفقراء» ولم يستكمله، وقام بتكملة العمل انور وجدى فى فيلمه الأول كمخرج، ونسب اخراج الفيلم كله إليه.
> الفيلم مأخوذ عن «مرتفعات ويذرنج» الرواية التى كتبتها اميلى برونتى وتعامل معها النقاد على انها رواية لا يمكن تصنيفها، وتتسم بتفرد كبير، واعجبت السينما العالمية كثيرا بالرواية، خاصة فى انجلترا وتم تقديمها اكثر من مرة، وتم الالتزام بالنص الأدبى بالكامل عكس ما حدث فى السينما المصرية، التى انتجت فيلمين مختلفين تماما عن مصدر واحد.
> حكاية المخرج الاضافى لم تتكرر مع محمد عبدالجواد الذى استكل العمل فى فيلم «قصة غرام» ووضع اسمه بعد كمال سليم، وكان أحرى بأنور وجدى ان يفعل ذلك، على كلٍ فإن كمال سليم هنا يستكمل رحلة تعامله مع الأدب العالمى المهم بعد رواية «البؤساء»، ثم «روميو وجولييت»، وهو هنا يخرج كثيرا عن الموضوع الاصلى للرواية البريطانية، مثلما سيحدث بعد سنوات مع فيلم «الغريب»، حيث تم تجاهل حكاية الجيل الثانى تماما، والتركيز على قصة حب هيثكليف الذى تحول إلى جلال ورأينا قصته منذ طفولته وقيام الباشا بتربيته فى منزله وهنا تولدت قصة الحب بين جلال وهدى، هى قصة الحب التى استمرت طول الحياة، كما ان السيناريو حذف تماما شخصية الابن الثرى الذى سينغص على جلال أو هيثكليف الحياة، ليدخل فى تفاصيل أخرى، وهى الشخصية التى جسدها محسن سرحان فى فيلم «الغريب»، اما الفيلم فقد اضاف شخصية شاهين الذى سيكون وصيا على هدى، وسيعذب الطفلين لسنوات طوال ويجعلهما يعيشان فى أحط الظروف الإنسانية.
> أى إن جلال هنا ابن اصول تطاوحت به العواصف والرياح عكس الرواية وفيلم كمال الشيخ، وكما نرى فإننا أمام قصة عن الحب المستحيل، خاصة فى النص الأدبى، حيث سوف تذاع الأخبار ان جلال مات بطلق رصاص، ما يدفع بالفتاة ان توافق للارتباط برجل آخر، وهنا يظهر جلال مرة أخرى.
> شخصية الوصى شاهين بقسوته هى البديل لشخصية الأخ الذى كان يكره هيثكليف وأنزله من مكانته إلى درجة الخادم الكلاف، وهو ما فعله شاهين وزوجته، فصار جلال ابن فهمى باشا عامل إسطبل، وقد اهتم السيناريو بمرحلة طفولة الحبيبين حتى كبرا، فصار على هدى الخدمة فى البيت، ويبدو أن كمال سليم كان ينوى عمل فيلم ضخم طويل العرض على غرار أعماله السابقة، لذا فإن تفاصيل الطفولة أخذت أكبر مساحة من الفيلم المعروض، واتسمت هذه النسخة بسمات افلام عبدالجواد متوسطة القيمة لأنه المسئول الخير عن الفيلم.
> من عجائب الفيلم أن كمال سليم تزوج من بطلته أميرة اميرو، وقد تزوجها محمد عبدالجواد لفترة بعد وفاة زوجها كأنه يرث الفيلم بمن عليه.
> بمجرد أن كبر الحبيبان حتى تحول النص إلى فيلم غنائى، فابراهيم حمودة هو من أقوى الأصوات الغنائية فى تلك الفترة، ومنحه كمال سليم بطولة أكثر من فيلم، وهذه الاغنيات جاءت على حساب القصة، كما أن هناك اغنية للمطرب كارم محمود فى بداياته، ويفسر هذا قيام االسيناريو بحذف الشخصيات، وبدا الجزء الأخير من الفيلم كأنه يلخص الرواية وهو يحكى كيف عاش الحبيبان ظروف الحب والفراق، وزواج هدى، وأيضا جلال كل منهما زواج غير متكافئ مع طرف آخر، وقد دخل الفيلم بعد ذلك فى تفاصيل اخرى من خلال صراع بين راشد الزوج وشاهين الوصى على الفتاة، وتاهت التفاصيل عن الرواى كى يبقى فيلم «الغريب» أقرب إلى التوازن بالنسبة لعلاقة النص بالسينما، حكى الفيلم عن موافقة هدى على الزواج من راشد مقابل التخلص من شاهين وقسوته بعد أن سمعت أن رصاصة أصابت جلال فى الفرح، وهكذا صار لهدى حياة جديدة، دون أن تعرف ان حبيبها لا يزال على قيد الحياة.
> لم يتزوج هيثكليف قط من حبيبته فى النص الأدبى، اما فى السينما فرغم أن الحبيبين تزوج كل منهما على حدة فإنهما توجا الحب بالزواج بعد انفصال كل منهما عن شريكة بعد تفاصيل تقليدية.
> الفيلم الثانى «الغريب» 1956، هو أيضا يحمل اسم اثنين من المخرجين، هما فطين عبدالوهاب وكمال الشيخ، وتبدأ الاحداث من منتصف الرواية فى ليلة عرس ياسمين، والغريب مصاب عند الطبيب الذى يستمع من الوصيفة إلى حكاية الغريب اليتيم الذى التقطه الأب، ثم تأتى التفاصيل التى تؤكد ان الرواية الواحدة المهمة يمكن نسج عشرات الأفلام من خيوطها.