هل تبسيط العلوم مهم فعلا؟

آخر تحديث: السبت 30 أكتوبر 2021 - 9:25 م بتوقيت القاهرة

كنت قد تكلمت فى مقال سابق منذ أربع سنوات تقريبا عن تجربة شخصية لى عندما جلست وأنا أستاذ فى علوم وهندسة الحاسبات فى مقعد التلمذة فى قسم الصحافة بالجامعة التى أعمل بها لأدرس مادتين عن الصحافة العلمية، هناك أستاذ كرسى للصحافة العلمية فى ذلك القسم وحاصل على جائزة البوليتزر، ومن درَّس لنا المادتين هو كاتب قدير له عدد من الكتب ويكتب فى النيويورك تايمز، لن أعيد سرد تجربتى هنا ويمكن للمهتم أن يعود لهذا المقال السابق، ما يهمنى هنا هو مشاركة القارئ تأثير تلك التجربة على كاتب هذه السطور بعد مرور عدة سنوات عليها تقريبا.
دراسة الكتابة العلمية للعامة كان له أثر كبير علىّ شخصيا فى عدة أشياء: أولا تعلمت أهمية التبسيط وأن التبسيط لا يعنى أنك لا تفهم العلم الذى تتكلم فيه لكنه يعنى أنك تفهمه بعمق، والتبسيط لا يعنى أنك تتكلم مع أطفال أو أشخاص يقلون عنك علما، ولكن أشخاص متخصصين فى مجالات أخرى قد تكون أنت بالنسبة لهم فى تخصصهم من العوام، وبتبسيط تخصصك لهم فإنك تبنى جسورا بين العلوم. تبسيط العلوم فادنى أيضا فى كتابة الأبحاث العلمية الموجهة للخاصة لأن الاتجاه للتبسيط يجعلك تشرح بطريقة أوضح وبالتالى فقد أفادنى فى التدريس كذلك.
مقالنا اليوم عن تبسيط العلوم وهل هو مهم على مستوى الدول؟ أم أنه «شىء ظريف» فقط؟
إذا نظرنا حولنا فى الوطن العربى سنجد عددا لا بأس به أبدا من المجلات والدوريات العلمية المهتمة بتبسيط العلوم، هذا فى حد ذاته شىء جيد لكنه لا يعطى الصورة الكاملة، فمثلا: ما هو عدد القراء لكل مجلة؟ ما هى أكثر الموضوعات قراءة؟ ما هى نسبة المقالات المترجمة عن مقالات فى الخارج إلى المقالات المكتوبة أصلا باللغة العربية؟
هذه الصورة الكاملة مهمة لأنها تعطى إشارات عما إذا كانت الصحافة العلمية بحالتها الآن تهم الناس؟ وإذا ما كانت تؤثر فى حياة الناس، وهذا يقودنا إلى سؤال مهم: ما أهمية تبسيط العلوم؟
أعتقد أن تبسيط العلوم وهو حجر الأساس للصحافة العلمية مهم جدا على المستوى القومى لعدة أسباب، أولا وهو أهم سبب فى رأيى هو حث الشباب على الاتجاه للعلوم، إذا تم تبسيط العلوم بطريقة سهلة وشيقة فى نفس الوقت فستجذب الكثير من التلاميذ والطلاب إلى الاهتمام بالعلوم وبذلك سيتكون عندما فى المستقبل جيش من العلماء نحن فى أمس الحاجة إليه، مثلما يطمح الكثيرون من الشباب أن يصبحوا رياضيين مثل محمد صلاح وأبطالنا الآخرين فى مختلف الرياضات ومثلما يريد آخرون أن يصبحوا رجال أعمال وينظرون بانبهار لايلون ماسك مثلا فنريد أيضا من يطمح أن يكون عالما، وهذا يقودنا إلى النقطة التالية وهى إزالة الخوف من العلوم، يخاف الكثيرون من العلم ويظنونه صعبا لأنهم لم يدرسوه بالطريقة الصحيحة ولم يتم تبسيطه جيدا لهم، كان الهدف فقط هو دراسة «كتاب الوزارة» للحصول على درجات عالية. هذا على مستوى الشباب، أما على المستوى العام فإن تبسيط العلوم يساعد بقدر كبير على تنمية طريقة التفكير العلمية (النقدية) فى كل شىء فى حياتنا وليس فقط فى الأمور العلمية، طريقة التفكير العلمية تساعد الناس على تحليل كل ما يقابلونه سواء مسموع أو مقروء وهذا فى حد ذاته يحارب الإشاعات والخرافات، بل ويجعل الناس تعيش حياة صحية لأنفسهم وللطبيعة (عندما يتعرفون على الاحتباس الحرارى وتدوير المخلفات وخطورة السكريات على الصحة مثلا).
لا شىء فى هذا العالم بدون آثار سلبية لذلك لا يجب أن نغفل عن الأخطار التى قد يتسبب فيها تبسيط العلوم إذا لم نأخذ حذرنا، أولا التبسيط معناه إغفال بعض التفاصيل من أجل تسهيل المعلومة، تحديد ما يتم إغفاله مهم جدا ويستلزم الكثير من التفكير حتى لا نقود الناس إلى نتيجة خاطئة، ثانيا فى بعض الأحيان عندما يقرأ شخص ما مقالة ويفهمها قد يعتقد أنه أصبح عالما ويتصرف على هذا الأساس وهذا خطر جدا، فمع التبسيط يجب أن يتم التنبيه على القارئ أن هذه قشور أولية وأنه إن أراد أن يتعمق فعليه بكذا وكذا.
مثلما تعطى الجامعة دروسا لطلبة الدراسات العليا فى الكتابة العلمية أليس من المفيد إعطاء دروس فى تبسيط العلوم؟ ستفيد الباحث والمعيد والطلبة.