المرأة التى لعبت بالقلوب
صحافة عربية
آخر تحديث:
الجمعة 30 نوفمبر 2018 - 11:35 م
بتوقيت القاهرة
نشرت صحيفة الشرق الأوسط مقالا للكاتب «مشعل السديرى» وجاء فيه:
مى زيادة، أديبة لبنانية انتقلت مع أسرتها للإقامة فى القاهرة عام 1907، والتحقت بكلية الآداب، وأتقنت عدة لغات، وعملت بتدريس الفرنسية والإنجليزية، وعكفت فى الوقت نفسه على إتقان اللغة العربية ودراسة الفلسفة والتاريخ الإسلامى، وصدرت لها عدة مؤلفات، وعاشت فترة متنقلة بين لندن وباريس وروما، بل أدخلوها مستشفى الأمراض العقلية بلبنان لمدة تسعة أشهر.
ولكنها عادت واستقرت بمصر، وأهم ما فى حياتها أنها فتحت صالون بيتها كل يوم ثلاثاء يحضره بالعشرات كل أقطاب مصر المشاهير من سياسيين إلى أدباء إلى شعراء، بل وإلى رجال دين.
والعجيب فى الأمر أن تلك المرأة كانت لها جاذبية ساحرة على كل من تردد على صالونها، فكلهم تقريبا عشقوها، وصرحوا بذلك إما بالكلام أو الكتابة أو الشعر، إنهم مثلما قال أحدهم:
مثل الكواكب التى تدور حول الشمس، من اقترب منها احترق حبا، ومن ابتعد عنها تاه فى الفضاء البعيد فراقا وهجرا.
وعلى سبيل المثال، ها هو أحمد حسن الزيات يقول عنها: إنها تختصر للجليس سعادة العمر كله فى لفتة أو لمحة أو ابتسامة، ووصفها القاضى عبدالعزيز فهمى قائلا: النظر هنا خير من الكلام والإصغاء، حتى وقار شيخ الأزهر مصطفى عبدالرازق لم يكن حصنا آمنا له من جاذبية مى، فأخذ يحبها بصمت وحياء، حتى عميد الأدب الكفيف طه حسين، كان لا يفوت عليه يوم الثلاثاء حتى يكون أول الحاضرين وآخر المغادرين.
وها هو أمير الشعراء أحمد شوقى يقول فيها:
أسائل خاطرى عما سبانى أحُسن الخلق أم حُسن البيان؟
رأيت تنافس الحسنين فيها كأنهما لمية عاشقان
إذا نطقت صبا عقلى إليها وإن بسمت إليها صبا جنانى
وما أدرى أتبسم عن حنين إلى بقلبها أم عن حنان
وإن شبابها راث لشيبى وما أوهى زمانى من كيانى
وعلى الرغم من هذا التهافت لم تبادل أيا من هؤلاء وغيرهم أى عاطفة، والوحيد الذى هى عشقته وهو كذلك عشقها هو: جبران خليل جبران، على الرغم من أنه فى أمريكا وهى فى مصر، ولم ترهُ فى حياتها ولم يرها، وكانت بينهما المراسلات، وحاولت دعوته إلى مصر قائلة: تعالَ فالحياة قصيرة، وسهرة على النيل توازى عمرا حافلا بالمجد والثروة والحب. وقالت هى عن نفسها: أنا امرأة قضيت حياتى بين قلمى وأدواتى وكتبى ودراساتى، وقد انصرفت بكل تفكيرى إلى المثل الأعلى، وهذه الحياة (الآيدياليزم) أى المثالية التى حييتها جعلتنى أجهل ما فى هذا البشر من دسائس.
وصعق العقاد عندما عرف بموتها فقال وهو يبكى: كل هذا فى التراب؟!، آهٍ من هذا التراب.
الشرق الأوسط ــ لندن