عواطف عبدالرحمن ..عطاء بلا حدود
طلعت إسماعيل
آخر تحديث:
الإثنين 30 ديسمبر 2019 - 11:00 م
بتوقيت القاهرة
فتح الحوار المتميز الذى أجراه الزميل حازم بدر فى «الأخبار» الخميس الماضى مع أيقونة كلية الإعلام جامعة القاهرة الدكتورة عواطف عبدالرحمن، مخزون العواطف الذى أكنه لأستاذتى التى تتلمذت وآلاف الصحفيين والإعلاميين المصريين والعرب على يديها، لأكتشف كم حفرت هذه السيدة الحازمة الصارمة، بروح الأم، عميقا فى مسيرتى الأكاديمية والمهنية عقب التخرج، وحتى يومنا هذا.
الدكتورة عواطف ليست مجرد أستاذة أكاديمية تهتم بقاعات البحث والدراسة، وهى البارعة فى هذا المضمار، لكنها أكثر عطاء وتأثيرا فى العديد من المجالات، فهى المناضلة السياسية التى تفخر بانتمائها إلى اليسار المصرى، ودفاعها الصلد عن الفقراء والمهمشين على الرغم من كونها ابنة عائلة برجوازية، كما أن رفضها القاطع للتطبيع مع الكيان الصهيونى جر عليها العديد من المعارك، بل وحبسها ضمن اعتقالات سبتمبر عام 1981 الشهيرة.
ليس هذا فحسب، فهى ابنة الصعيد التى تمردت على العادات والتقاليد، دون القطيعة مع موروثها الأصيل، لتصبح نموذجا للمرأة القوية التى تتحدى الصعاب، متسلحة بعزيمة جداتها العظام منذ عهد الفراعين ومروا بكل العصور والمحطات الكبرى التى كانت للمرأة المصرية فيها أدوار بارزة دفاعا عن هذا الوطن وقضاياه.
فى مدرجات كلية الإعلام جامعة القاهرة، مطلع ثمانينيات القرن الماضى، بدأت معرفتى بأستاذتى التى لم تكن علاقاتها بطلابها قاصرة على الطريقة التقليدية بين الأستاذ والتلميذ التى تنتهى عادة مع انتهاء الوقت المحدد للدرس، فقد فتحت هذه السيدة العظيمة أمام عينى عالما رحبا من الأفكار والمواقف، وألقت بى فى يم هائج وهى تشجعنى وزملائى على ركوب الموج، وتحدى العواصف.
وعلى الرغم من انحيازاتها الفكرية المعروفة، لا تهتم الدكتورة عواطف بالانتماءات الفكرية لطلابها، ولا إلى أى موقف سينحازون، هى فقط تفجر طاقتك وتحرضك على التسلح بالوعى والفهم الذى يقود فى نهاية المطاف إلى حسن الاختيار، والشغف بما يدور من حولك من أحداث صغيرة أو كبيرة، والانشغال الدائم بالهم العام.
تنمية روح الفريق والعمل الجماعى أكثر ما تعلمناه على يدى الدكتورة عواطف عبدالرحمن التى احتفلت قبل شهور بعيد ميلادها الثمانين، أطال الله فى عمرها، وأتذكر تكليفها لى مع خمسة من الزميلات والزملاء بعمل بحث نتتبع فيه تعامل الصحافة المصرية مع القضية الفلسطينية منذ بداية عام 1960 وحتى نهاية عام 1970، وكيف كان هذا البحث بوابة للتعرف على فنون الصحافة، جنبا إلى جنب الاطلاع على المضمون الذى حفلت به السطور والصفحات التى راحت عيوننا تلتهمها بقاعة الدوريات فى مقر الهيئة العامة للكتاب.
وأتذكر، أيضا، كيف تعاملت معنا الدكتورة عواطف، عندما دب الخلاف بيننا كفريق بشأن مقدمة البحث التى اجتهدت فى صياغتها بعد أخذ رأى الجميع، إلا أن بعضهم اتهمنى بمحاولة إسباغ بحثى اللون السياسى الذى أنتمى إليه، فقد تفهمت يومها نزق الشباب ومناوشاتهم، وأرشدتنا إلى الطريق الأمثل لاحتواء الخلاف، فقد كان تشكيل كل فريق يخضع لأسس محددة، فهو لا يجمع بين أصحاب انتماء واحد سواء كان فكريا أو سياسيا، ولا بد أن يضم البنين والبنات بتوازن موضوعى.
ولأنها أرضعتنا قيمة النقد، وأطعمتنا فضيلة الاختلاف، أجد نفسى مختلفا مع ما جاء فى حوارها بشأن مستقبل الصحافة المطبوعة التى قالت إنها «لن تموت أبدا»، نعم الصحف الورقية لن تموت فى المدى المنظور، لكن أوراقها تذبل كل صباح، وتنحسر الأيادى التى تتداول صفحاتها عاما وراء عام، ويتراجع تأثيرها فى ظل الثورة التكنولوجية التى تشبه عصا موسى التى تلقف كل الحيات.
فى كلماتها لـ«الأخبار» محطات كثيرة تتحلى فيها بالجرأة والحماس، وتعكس روحها الهائمة عشقا بتراب بلدها، وأهلها والناس الطيبين الذين لا تبخل عليهم من فيض محبتها وتضحياتها، والدليل أن من أجرى الحوار المتميز معها، ومن يكتب هذه السطور هما ثمرة جهدها وعطائها الذى لا يعرف الحدود.