تهديد السياسة الدينية المتعصبة للديمقراطية

مواقع عالمية
مواقع عالمية

آخر تحديث: الأربعاء 31 يناير 2024 - 8:55 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع project syndicate مقالا للكاتب إيان بوروما، تناول فيه سيطرة الجماعات الدينية المتطرفة على السياسة وتهديد ذلك لبقاء الأنظمة الديمقراطية، فانتهاج رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودى سياسات دينية متعصبة ضد المسلمين يهدد الديمقراطية الهندية، كذلك تناول أن تراجع دور الكنيسة فى بعض الدول الأوروبية أدى إلى تصاعد الشعبوية اليمينية... نعرض من المقال ما يلى:
لقد قام رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودى فى الثانى والعشرين من يناير بتدشين رام ماندير، وهو معبد هندوسى جديد ضخم فى أيوديا. لقد قدم مودى والذى تم وصفه من قبل كاتب سيرته الذاتية بإنه «الكاهن الأكبر للهندوسية» القرابين والبركات لمعبود اللورد رام وهو أحد أكثر الآلهة الهندوسية تقديسا والذى من المفترض أنه ولد فى هذه البقعة المقدسة، ويعد المعبد أيضا رمزا سياسيا قويا لمودى وحزبه الحاكم بهاراتيا جاناتا حيث تم بناؤه على أنقاض مسجد يعود تاريخه إلى القرن السادس عشر والذى هدمته حشود من القوميين الهندوس بتحريض من قادة حزب بهاراتيا جاناتا فى عام 1992 مما أثار أعمال شغب طائفية نتج عنها مصرع 2000 شخص.
يعد مودى بإنشاء «الهند الجديدة» والتى يقصد بها الهند الهندوسية، حيث ينظر إلى أكثر من 200 مليون مسلم فى البلاد باعتبارهم متطفلين، وفى واقع الأمر فإن هذا الخلط المتعمد بين الدين والسياسة يعتبر غير دستورى فى الهند. لقد أدرك أول رئيس وزراء للهند بعد الاستقلال جواهر لال نهرو وكذلك الزعيم السياسى والروحى المهاتما غاندى مدى إمكانية انفجار الصراع الدينى فى مجتمع متعدد الأديان والأعراق ولهذا السبب أصروا على أن تكون الهند دولة علمانية.
إن الرغبة فى تقويض الدولة العلمانية تسبق مودى بفترة طويلة. لقد كان الرجل الذى قتل المهاتما غاندى عضوا فى راشتريا سوايامسيفاك سانغ، وهى منظمة قومية هندوسية شبه عسكرية لها علاقات مع حزب بهاراتيا جاناتا والتى لعبت دورا رئيسيا فى هدم المسجد فى أيوديا. لقد استغل المحرضون الهندوس فى عام 1986 القرار الخاطئ الذى اتخذه رئيس الوزراء آنذاك راجيف غاندى بالاستجابة لمطالب المسلمين وذلك من خلال السماح للشريعة الإسلامية بتجاوز حكم المحكمة العليا الذى يدعم حق المطلقات المسلمات فى الحصول على النفقة لمدة تتجاوز 90 يوما. لقد استغل هولاء المحرضون هذا الاستثناء من أجل تأجيج الاستياء الهندوسى الكامن مما مكنهم من نقل مفهوم القومية الهندوسية من هامش السياسة الهندية إلى قلب تلك السياسة.
ولكن من المؤسف أن مودى ليس وحده الذى يتبنى مثل هذا النوع من السياسات الدينية، فعلى الرغم من أن الأمر قد يبدو بعيد الاحتمال بالنسبة لمفترس جنسى بذىء اللسان مثل الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، إلا أن أتباعه يصفونه بأنه منقذ العالم المسيحى، الذى سيطهر الولايات المتحدة الأمريكية من اليساريين وناشطات الحركة النسوية والمثليين والمهاجرين والنخب من الليبراليين وغيرهم من الأشخاص الذين يرتكبون الخطايا. ان مقطع الفيديو الترويجى الذى تم نشره أخيرا على موقع ترامب على الإنترنت «تروث سوشال» مبنى على أساس هذه السردية مدعيا: «كان يجب على الله أن يكون لديه شخص يرغب فى الدخول إلى وكر الأفاعى. اكشفوا الأخبار الكاذبة حيث أن ألسنتهم حادة كالحية. إن سم الأفاعى موجود على شفاههم، لذلك خلق الله ترامب».
يعتقد أتباع كنيسة العنصرة الإنجيلية وكذلك الكاثوليك الرجعيين الآن بأن ترامب أكثر من مجرد شخصية سياسية. لقد أعطى الله الرئيس السابق القداسة ليجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى. صحيح إنه يحاكم بتهمة الاعتداء على امرأة، وإلغاء الانتخابات من خلال العنف، وارتكاب عمليات احتيال، لكن هذا يظهر كيف أنه شهيد يتم اضطهاده من قبل أعداء أشرار، تماما مثل يسوع المسيح.
• • •
إن استخدام الدين فى السياسة يعتبر التهديد الأعظم للديمقراطية وهذا التهديد أكبر من تهديد عدم المساواة الاجتماعية أو الاقتصادية، أو الساسة الكاذبين، أو الفساد، وكلها سيئة بما فيه الكفاية. إن الغرض من وجود مؤسسات ديمقراطية ليبرالية هو حل تضارب المصالح. إن النزاعات حول الضرائب، واستخدام الأراضى، والإعانات المالية للقطاع الزراعى، وما إلى ذلك يمكن تسويتها من خلال النقاشات والحلول الوسط بين الأحزاب السياسية وهذا لا ينطبق على الأمور المقدسة فالحقيقة الإلهية غير قابلة للتفاوض.
ولهذا السبب فإن الجماعة الدينية المتشددة لا تستطيع أن تكون حزبا سياسيا ديمقراطيا، وفى أى دولة إسلامية راديكالية، لا يوجد مجال للنقاش أو الحلول الوسط، وهذا الأمر ينطبق كذلك على المتطرفين الدينيين الإسرائيليين الذين يعتقدون أن حقوقهم يبررها الكتاب المقدس، فحقوق المياه قابلة للنقاش ولكن الأرض المقدسة ليست كذلك.
• • •
إن هذا لا يعنى أن نحاول شفاء الإنسانية من المعتقدات الدينية. إن الرغبة فى الخضوع لسلطة أعلى، والإيمان بالحياة بعد الموت، وتقسيم العالم إلى مؤمنين وغير مؤمنين، ولعن الأشخاص الذين يرتكبون الخطايا وعبادة القديسين، والاحتفال بمراحل الحياة من خلال الطقوس المقدسة، هى سمة إنسانية عالمية. لكن مثل هذه الرغبات مكانها الكنيسة والمعبد والكنيس والمزار وليس الخطاب السياسى حيث يجب ألا تتداخل السلطة الدينية بالسلطة السياسية.
لقد فهم نهرو هذا وفهم توماس جيفرسون هذا كما فهم ذلك أيضا العديد من القادة المسيحيين، وخاصة القادة البروتستانت الذين لم يرغبوا فى أن تتعدى الدولة العلمانية على الشئون الدينية. لقد واجه الكاثوليك مشكلة أكبر مع الفصل بين الكنيسة والدولة لكن معظمهم تعلموا التعايش معه.
• • •
إن السبب الذى يجعل العديد من الديمقراطيات الآن مهددة بالسياسات الدينية المتعصبة ليس لأن الدين المنظم قد أصبح أكثر قوة، وفى واقع الأمر أنا أعتقد أن العكس هو الصحيح علما أنه فى معظم الديمقراطيات الغربية، على الأقل، انهارت سلطة الكنيسة بالكامل تقريبا وهذا الكلام ينطبق حتى على الولايات المتحدة الأمريكية، وفى حين لا يزال أغلب الناس يعتبرون أنفسهم مؤمنين بدين أو بآخر، فإن العديد من المسيحيين الأمريكيين، وخاصة أولئك الذين ينجذبون إلى ترامب باعتباره المنقذ، يتبعون الدعاة المستقلين أو رواد الأعمال الروحيين.
لقد بدأ تآكل سلطة الكنيسة فى أجزاء كثيرة من أوروبا حيث تتصاعد الشعبوية اليمينية فى ستينيات القرن الماضى مما أدى إلى ابتعاد الناس الذين اعتادوا الذهاب إلى الكنيسة وكانوا يتجهون إلى كهنتهم وقساوستهم ليخبروهم كيف يصوتون بالانتخابات، واليوم هم يشعرون بالقلق والحيرة إزاء التغيرات الديموغرافية والسياسية والاجتماعية والجنسية والاقتصادية، ويبحثون عن منقذ يقودهم إلى عالم أبسط وأكثر يقينا وأمانا. إن هناك الكثير من الديماغوجيين المتعطشين للسلطة والذين هم على أتم الاستعداد لتلبية هذه الرغبة.

النص الأصلى https://bit.ly/3UkN9Lw

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved