نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالًا للكاتب محمود برّى، تناول فيه بعض التساؤلات حول كيفية بقاء آثار الحضارات القديمة ماثلة أمامنا حتى الآن (مثل أهرامات الجيزة) شاهدة على عظمة وتقدم مؤسسيها، فالغموض المحيط بإنجازات هذه الحضارات أدى إلى نسج عديد الحكايات والأساطير حولها. ويوضح كاتب المقال أن التكنولوجيا الحديثة ما زالت عاجزة عن كشف أسرار تقدم هذه الحضارات، وهذا ما يثير دهشته.. نعرض من المقال ما يلى:أيّ حضارات ذكية هى التى سادت أُمّنا الأرض فى العصور القديمة؟ ما حقيقتها الباهرة؟ ماذا عن حكاياها وأسرارها؟ كيف أَنجزت ما يعجز الإنسان اليوم عن إنجازه وحتّى عن فهمه؟ وأين اختفت التكنولوجيا المتقدّمة التى استخدمتها؟
أهرام الجيزة فى مصر، هياكل بعلبك فى لبنان، الإنشاءات الحجريّة العملاقة فى ستونهيش فى إنكلترا، هَرَم الشمس فى المكسيك، خطوط نازاكا فى البيرو، تماثيل مواى فى جزيرة القيامة.. وغيرها، كل هذه الإنجازات الحجرية العجائبية المُذهلة كانت من ثمار حضارات متقدمة وباهرة لا نعرف عنها إلا القليل ونجهل تمامًا كيف، ولماذا انتهت واختفى صُنّاعها.
إن كانت إنجازاتهم التى ما برحت قائمة وتتحدى الزمن، صحيحة وواقعية، وهى كذلك بالفعل، فلماذا انقرضوا مع علومهم وانتهوا وخلفوها؟ هل كانوا من أهل الأرض أم من كوكب ما فى الفضاء اللّا متناهى.. وقد عادوا إليه؟ وإن كانوا «من هناك» فلماذا جاءوا إلى الأرض.. ولماذا هجروها؟
لا بد أن نكون منطقيين وواقعيين الآن إذ لا مكان للمخيلة.. ما يجرى الحديث عنه من مخلّفات وآثار وهياكل وأدوات، هو واقع حقيقى قائم وملموس ويُمكن لمَن يشاء معاينته، ومختلف آثاره ما تزال قائمة ويزورها الهواة والسياح والعلماء والعامة. وواقعها الراهن يؤكّد أنها بنات حضارات بالغة التقدّم، قامت على تقنيات مذهلة مما لم يتوصل إليه البشر اليوم. فلماذا اختفى صانعوها.. وأين.. ولماذا؟
من حُسن الحظ أن لا شىء فى الطبيعة يَمضى من دون أن يترك خلفه أثرًا. وما دام الأمر كذلك، فلماذا هَجَرنا أولئك العباقرة.. وأين أحفادهم والشعوب التى انتموا إليها والمُجتمعات التى عاشوا فيها وأورثوها علومهم؟ بل كيف يُمكن لمُجتمعات متقدّمة ومتطوّرة إلى هذه الحدود أن تختفى هكذا من الوجود كأنها لم تكن؟
الأسئلة المطروحة كثيرة، وثمة المزيد منها، وليس لدينا أجوبة. لكن بدلًا من إدارة الظهر والانصراف إلى شأن آخر، أقترح التكهّن بداية لعل ذلك يوصل إلى مكان معقول. لا أقترح على أحد ولا أطلب من أحد ولا أُلزم أحدا أن يأخذَ بما آخذ به. إنما لِنَدع الأمور تسير فى مجاريها. فالأنهار ينبغى لها أن تنتهى إلى البحر.
نعرف جميعًا أن كل ما هو معدن سينتهى مع تقادم الأزمنة ويبلى وينقلب إلى أكوام من مسحوق الصدأ لا يلبث أن يتآلف مع التراب ويختلط به ويتلاشى فيه. وفى المقابل نعرف أيضًا أنّ الحجر يبقى شريك الدهر. ومثله المنشآت المبنيّة. لذا فإنّ عندنا أهرامات الجيزة مثلًا، وهياكل بعلبك، وأهرامات المايا، والتمائيل العملاقة فى غير نقطة من الكرة، وكلّ تلك البقايا الحجريّة المشغولة من حضارات سادت ثم بادت. والغريب أنه من النادر العثور على آلة معدنية مصنّعة من تلك التى استخدمتها أقوام حضارات ذلك الأمس المبهم، فى حين أن الأشكال المبنية والتى أقاموها من الحجر ما انفكّت قائمة، ولذلك بقيت أو ربما لتحيرنا حكاياها، بما يكتنفها من غموض وخرافات وأساطير.
• • •
لنَرجع قليلًا إلى الأسطر التى سبقت، إلى الأهرام وهياكل بعلبك. كيف نجح الذين بنوا تلك الإنشاءات العملاقة فى بنائها؟ كيف تمكّنوا من رَفْع تلك الحجارة الطينية المصقولة، التى كانت غير قابلة للرفع بيَد الإنسان وقوته الجسدية، وتثبيتها؟ هل توصّلوا فعلًا كما يعتقد البعض إلى تقنيات غريبة كمثل التحريك بالصوت كما تقول إحدى النظريات العلمية الحديثة الجادة؟
يدعى البعض مثلًا امتلاك القدرة على تحريك الأشياء عن بعد، ومن دون لمْسها، وذلك من خلال ما يعرف بالـTelekinesis، أى تحريك الأشياء بواسطة العقل! فهل هذا صحيح؟! أم أن القدماء نجحوا فى ذلك من خلال تكنولوجيا نظريّة «تفريغ الجاذبية» فى منطقة معينة من مكان محدّد، مما لا تقل غرابة وإدهاشا، بحيث يصبح بالوسع رفع حَجر بوزن خمسين طنًا بإصبع؟
ثم هناك نظرية تحريك الأشياء بالصوت. بعض العلماء فى عصرنا الراهن اشتغلوا على هذه النظرية، وكانت المفاجأة أنهم حقّقوا شيئًا من النجاح فى ذلك. فقد تمكّنوا بالفعل من تحريك بعض الأشياء عن طريق إثارة نوع من النّغم. يبدو أن هذا نمط مستغرب من العلم يصاهر الخيال، لكنه حقيقة. وليس لنا أن نحكم بخطأ أو بخُرافية كل ما لا نعرفه اليوم؛ فربما لم نَصل بعد إلى المستوى العلمى والتكنولوجى الذى كانوا عليه، أعنى إلى المعرفة التى حقّقها، أو بَلغها، أو سيطر عليها بناة هياكل بعلبك وأهرامات مصر، الذين رفعوا تلك الإنشاءات المذهلة لتصمد أمام الزمن إلى يومنا هذا.
هنا اقتراح من أعمال التكهّن، لكنه أيضًا نظرية لا يجوز إغفالها، تقول بهذا الخصوص إن بُناة الأهرام ربما حصلوا معرفة متقدمة من بقايا حضارة أخرى ضائعة وقديمة من بقايا سكان آتلانتس مثلًا، القارة المفقودة، بحسب الإغريقى أفلاطون.. وهذا احتمال لا أكثر.
• • •
بين سنة وأخرى فى عصرنا يتوصّل البشر إلى اكتشاف أحافير، وما تختزنه من آثار لا أحد يعلم عنها شيئًا. اكتشافات غامضة. من هنا تتسلّل الخرافات والأساطير التى تشغل المعرفة البشرية وتتناقلها الأجيال. مُدن مدمّرة، وإنشاءات حجرية غريبة متبقية من حضارات تدمّرت وتركت آثارها كشواهد على ذلك الماضى. وكلها دلائل على وجود حضارات سابقة.
أحد الأمثلة هو ما تم العثور عليه مثلًا فى مدينة «ولبرتن» فى ولاية أوكلاهوما الأمريكية فى عام 1912؛ حيث وَقع عاملان من محطة كهرباء على قطعة فحْم كبيرة لم يتمكّنا من إدخالها إلى الفرن لضخامتها، فعمدا إلى تكسيرها. عندها عَثرا فى داخلها على ما يشبه قِدْر معدنى. فَحَص العلماء المُختصون هذا القِدْر فوجدوه حقيقيا وممتاز الصّنع. ما الذى جعَل هذا القِدْر داخل صخرة من الفَحم أظهرت العلوم العصرية أن عمرها حوالى مليون سنة؟
بعد ذلك تمّ العثور على أشكال معدنية غريبة من مادة ثقيلة للغاية وغير معروفة. وبعده عثَر عمّال غيرهم فى روسيا على أشكال معدنية أخرى مبهمة النّوع ومملوءة بالأخاديد، فى منجم على عمق حوالى تسعمائة متر. وبعد فحوصات طويلة لم يستطع العُلماء قول أيّ شيء عنها، سوى أنّها تعود إلى مقدرة تقنية عالية جدّا، وأَظهر الفحص أنّ عُمرها يزيد على ثلاثمائة مليون سنة.
ثمّ يأتى دور خريطة «بيل ريتس»، وهذه أشبه بأعجوبة.
وفقًا للبيانات، فالقارّة القطبية الجنوبية كانت متجمّدة منذ 34 مليون سنة. لكن، ونظرًا لما تُظهره الخريطة المذكورة، وتشير إليه من تفاصيل تكاد لا تصدق، فمن المؤكّد أنه جرى رسمها بتلك الدقة العلمية الباهرة قبل أن تتجمد القارة القطبية.
مَن كان بإمكانه رسم خريطة صحيحة، وبهذه التفاصيل، غير عالِم يمتلك معرفة عالية وتقنيات باهرة، وهذا قبل أكثر من 34 مليون سنة؟ هل كان تحت تصرّف تلك الحضارة التى أثمرت الخريطة، أقمار صناعية تمكّنوا بواسطتها من تحديد معالم تلك الخريطة بهذه الدقة؟
ثم ماذا عن «بطارية بغداد»؟
معروف اليوم أن هذه التسمية تطلق على بضع قطع فخارية صنعت فى بلاد الرافدين خلال حكم الساسانيين أو ربما فى مرحلة الحضارة البارثية قبل نحو أكثر من 2000 عام، وتبيّن أنها بقايا بطارية مما نعرف أحفادها فى هذا العصر، وكانت تخزّن طاقة كهربائية، مثلها مثل البطارية التى تُشغل محرّك السيارة اليوم.
وماذا عن بقايا آثار الحمض ــ acid فى بعض ممرّات الهرم الأكبر فى مصر، فهل كان الفراعنة ينتجون الكهرباء؟
أخيرًا، وليس آخرًا، ماذا تعنى تلكم الإشارة اللاسلكية التى التقطها تلسكوب «الأذن الكبيرة»، والتى لم ينجح العلماء إلا فى ترجمة عبارة واحدة منها، مؤداها: «إنْ لم تتطوّر فسوف تختفى»!!
من المحرج أن يكون لدينا فى القرن الحادى والعشرين كل هذا القدْر من التساؤلات والحيرة. ليس فى يدنا سوى الانبهار وأسئلة كبيرة ننتظر أجوبتها.. وعسى ألا يطول الانتظار.
النص الأصلى