«الاختيار» فى السد الإثيوبى
طلعت إسماعيل
آخر تحديث:
الإثنين 31 مايو 2021 - 8:00 م
بتوقيت القاهرة
«الحرب القادمة.. تعطيش العرب»، تحت هذا العنوان شاركت فى مارس 1990، فى إجراء تحقيق صحفى مطول «نشرته مجلة الموقف العربى التى كانت تصدر من قبرص» بشأن المشروعات المائية التى شرعت إثيوبيا فى التحضير لها، وبما يهدد حصة مصر التاريخية من مياه النيل، والمحاولات الإسرائيلية لسرقة مياه نهرى، الليطانى اللبنانى، واليرموك فى الأردن، بالتزامن مع قيام تركيا بتنفيذ سد أتاتورك على نهر الفرات الذى رأينا فيما بعد تأثيره على سوريا والعراق.
عنوان التحقيق الصحفى، الذى احتل غلاف المجلة، كان بمثابة جرس إنذار مبكر لأزمة نقص المياه، والصراع عليها فى المنطقة، ونبه دون مواربة لخطورة المشروعات المائية الإثيوبية على النيل الأزرق على مصر تحديدا، وعكس حالة الجدل التى أثيرت فى الشارع السياسى المصرى بشأن التهديد الإثيوبى، ما بين مقلل من هذا التهديد، ومتخوف من المساعى الإثيوبية لإقامة العديد من السدود، وليس سدا واحدا.
التهديد الإثيوبى لحصة مصر المائية، انتقل الحديث عنه، قبل 31 عاما، من وسائل الإعلام، ومراكز الدراسات والبحوث، إلى مجلس الشورى (الشيوخ حاليا)، ووقتها قوبلت دعوات أعضاء فى المجلس للجوء إلى القوة العسكرية لحماية مياه النيل برفض قاطع من المهندس عصام راضى، وزير الرى المصرى فى ذلك الوقت، واكتفى الوزير بتهدئة مخاوف النواب، مؤكدا أن «الأسلوب السلمى هو أفضل الوسائل لحل المشكلة»، رغم اعترافه بأن إثيوبيا «لم تأخذ رأى مصر عند قرارها بتنفيذ مشروعاتها المائية» على النيل الأزرق.
الغريب أن الوزير راضى، رحمه الله، رفض، فى حوار نشر ضمن التحقيق الصحفى، تعبير «حرب المياه»، وقال إنه لا يؤمن بهذا المصطلح، الذى أثبتت الأيام صحته، وإن أنكره الرجل يومها، مدفوعا بحساسية منصبه على ما يبدو، فما يجرى الآن بشأن سد النهضة الإثيوبى أزمة مفتوحة على جميع الاحتمالات، بما فيها الحرب العسكرية، وبما يثير قلق المصريين صباح مساء، «وهو قلق مشروع»، على أمنهم المائى، ومصدر حياتهم منذ آلاف السنين.
وكما يقال ما أشبه الليلة بالبارحة، فقد ردد المهندس راضى الكلام نفسه الذى يدور الآن عن كيفية تدبير العجز المتوقع فى مياه النيل، وأنقل عنه نصا «نحن ندرس تدبير المياه لاستصلاح مليون و200 ألف فدان داخل الدلتا، و300 ألف فدان فى الوادى الجديد والعوينات (فى الصحراء الغربية) باستخدام مياه الصرف الصحى بعد تنقيتها»، مشيرا إلى «وضع خطة بالتعاون مع الهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحى لإقامة عدة محطات لتنقية مياه الصرف الصحى والصناعى.
ولتكملة الصورة، لم يغفل التحقيق الإشارة إلى الأصابع الإسرائيلية التى كانت تعبث فى الفناء الخلفى لنهر النيل، بعد أن ذهبت إلى إثيوبيا، التى وجدت ضالتها «فى الكيان الصهيونى لتنفيذ عدد من مشروعاتها المؤجلة على النيل الأزرق، والتى فشلت فى إقامتها فى الماضى»، ولم تكن المساندة الإسرائيلية لإثيوبيا سوى سعى مبكر للحصول على حصة من مياه النيل، التى لا تزال حلما إسرائيليا، ربما يتحول ذات يوم إلى حقيقة.
اليوم، وبعد مرور كل تلك السنوات، نجد أنفسنا نتأرجح فى أزمة السد الإثيوبى بين خيار السلم، أو اختيار الحرب، فى وقت تغيرت فيه موازين القوى الإقليمية، مع استمرار مراوغة أديس أبابا، التى نجحت فى «مطوحة» الوصول إلى اتفاق ملزم بشأن سد النهضة لعقد كامل من المفاوضات عديمة الجدوى، غير أن ذلك لا يعنى أن الذهاب للحرب بات قريبا، فالحروب ليست نزهة، واللجوء إليها قرار لن تتحكم فيه بعض الرغبات الإعلامية، أو المخاوف من الشراك الخداعية الدولية.