حالة سلوى بكر
سيد محمود
آخر تحديث:
الثلاثاء 31 مايو 2022 - 9:55 م
بتوقيت القاهرة
انشغلت مواقع التواصل الاجتماعى فى مصر بتصريحات أدلت بها الروائية الكبيرة سلوى بكر لبرنامج تلفزيونى انتقدت فيها طرق تحفيظ القرآن الكريم للأطفال وترتب على ذلك قيام البعض بالتطاول عليها وعلى منجزها الإبداعى، بل وصفها بالكاتبة المجهولة فى دعوى قضائية تشير إلى اتهامها بـ«الإساءة إلى الإسلام» أو ازدراء الأديان.
ومعروف أن نفس التهمة طالت الدكتور طه حسين الذى مات قبل 49 عاما، لكن الواقع يشير إلى أنه لا يزال حيا بأفكاره ومؤلفاته رغم أنف من طاردوه حيا وميتا.
والدليل أنه وعلى الرغم من موته كان شخصية هذا العام خلال معرض أبو ظبى للكتاب الذى اختتم أعماله الأحد الماضى، وقامت إدارة المعرض مشكورة بإعادة طبع مؤلفاته وتوزيعها بالمجان على الجمهور.
رغبت إدارة المعرض فى أن تأخذ جمهوره إلى الضفة التى يستطيع معها امتلاك عقل نقدى واع ينظر إلى تراثه بـ«الشك» اللازم للتفكير المنهجى الحر الذى لا يقف أمامه أى عائق.
فعلت الإمارات العربية ذلك لأنها تملك ببساطة جرأة العبور إلى المستقبل ولديها سياسة ثقافية وتعليمية تؤهلها لذلك، فهناك تشتغل الدولة بعقول أطفالها فلا تتركها نهبا للخرافة لكنها تتيح أمامهم جميع الوسائل التى تجعل من المعرفة جزءا من الحياة اليومية وشكلا من المتعة والترفيه.
وقد تابعت من داخل المعرض العديد من المنصات التعليمية التى تكافئ الطلاب على قدر ما يحصلونه من معرفة تعتمد على الكتاب كرافد أساسى ضمن روافد كثيرة، كما لا تغيب عن المتابع لما يجرى هناك المبادرات الثقافية التى تتبناها المؤسسات والأفراد لإشاعة المناخ المحفز على القراءة بعد أن تبنت الدولة أول قانون يشجع على ذلك.
والشاهد أن الإمارات لم تعد تحلم بالمستقبل لكنها تعيشه بالفعل، وتلعب الإمكانات الاقتصادية التى تملكها الدولة دورا فى ذلك، لكن الأموال ليست دائما هى كل شىء، وستبقى محدودة القيمة والتأثير ما لم يكن لدى صناع القرار رؤية واضحة بشأن إدارتها.
والى جوار الامارات يمكن تأمل الواقع الجديد الذى تعيشه المملكة العربية السعودية التى تشهد جملة من التغييرات الثقافية المثيرة للدهشة والتى تقول إن المملكة تطرق أبواب المستقبل بقوة وتعتمد فى سياستها الثقافية الجديدة على استثمار مكاسب سياسة البعثات العلمية التى وفرت للدولة الكوادر اللازمة لإنجاز عمليات التحديث وفى الشأن الثقافى هناك وجوه ابداعية شابة صعدت لمواقع صنع القرار وغالبية هذه الوجوه تنظر لماضى مصر الثقافى بفهم وتقدير عميق لما تم انجازه وتعى كذلك مبررات الإخفاق وأسباب التعثر وتسعى لتجاوزها.
وانظر لما احدثه مهرجان البحر الأحمر للأفلام فى دورته الأولى واقرأ الإحصائيات التى يوفرها معرض الرياض للكتاب وتأمل اتجاهات القراءة هناك لتعرف أن الشعب السعودى أصبح فى طليعة الشعوب التى تقرأ بلغات متعددة.
وهكذا بينما تسعى الدول المجاورة نحو المستقبل، يزداد إصرارنا نحن على التشبث بالماضى وإعادة إنتاج معاركه والتورط فى أسئلته.
وليست قضية «سلوى بكر» إلا مسخرة تضيف إلى مساخرنا فصلا جديدا، وكأننا لم نفهم جيدا درس طه حسين أو نصر حامد أبوزيد الذى زادت مبيعات كتبه بعد أن مات وتحول إلى أيقونه للفكر الحر وأصبحت مؤلفاته تحظى بانتشار ربما لم تحظَ به فى حياته وهكذا جرى مع فرج فودة وغيرهم.
لا تحتاج سلوى بكر فى قضيتها الجديدة لأى دفاع، لأن ما قالته واضح فى البرنامج التلفزيونى الذى بثته قناة «تن» وضوح الشمس ويمكن أن تقرأه أو تشاهده ولن تجد فيه ما يستوجب اللوم أو التورط معها فى خصومة.
لم تقل سلوى بكر أى عبارة واحدة مسيئة لأى دين، لأنها بحكم ثقافتها تحترم حرية الاعتقاد والتعبير وتفهم دوافع الناس للإيمان، لكنها فى المقابل تنظر لأحوال أحفادها ومعاناتهم فى المدارس بعد أن أجبروا على حفظ آيات قرآنية صعبة وليست لديهم القدرة على إدراك معانيها، فى ظل نظم تعليمية مهترئة لا يقوم فيها المعلمون بتأدية أدوارهم على النحو الذى كان قائما فى الماضى.
ويعرف أولياء الأمور فى كل بيت الصعوبات الناجمة عن الحفظ بعد أن عجز واضعو المناهج الدراسية عن إدراك احتياجات التلاميذ فى ظل واقع بات حافلا بمتغيرات كثيرة، لا تستطيع المناهج الجديدة أن تلبيها.
وتفسر مثل هذه المناهج حالة الجهل بقيمة سلوى بكر ومنجزها الإبداعى، فلو كان واضعوها أخلصوا للمهمة الملقاة على عاتقهم، لكانت نصوصها هى وغيرها من كتابنا المبدعين فى صدارة النصوص التى ينبغى أن يقرأها طلابنا ليتمكنوا من فهم المجتمع والتعامل مع متغيراته بل والتحرر من قيود الارتباط بماضيه.
تخيل أن الطالب المصرى يتعلم لمدة تزيد على 12 عاما فى المدارس الحكومية وأكثر منها فى المدارس الدولية والخاصة وربما يذهب إلى الجامعة وهو لا يعرف اسم كاتب واحد من الكتاب الذين اضافوا لرصيد مصر فى بنك الحضارة طوال خمسين عاما! تخيل!!