تثبيت الإعلام
طلعت إسماعيل
آخر تحديث:
الإثنين 31 يوليه 2017 - 8:45 م
بتوقيت القاهرة
عقب ثورة 25 يناير استطاع الإعلام المصرى ــ لحين ــ استرداد عافيته، وتأكيد مصداقيته مقللا الفجوات التى كانت سببا فى انصراف الناس عنه لتتناهشها أصوات وصور فضائيات الخارج، بما جعل تشكيل مواقف قطاع عريض من الرأى العام المصرى فى يد غير مصرية، وهو الخطر الأكبر على أى أمة، خاصة فى فترات التحول السياسى، والمحطات التاريخية الكبرى، كتلك التى نمر بها الآن.
وخلال العامين التاليين لإزاحة الرئيس الأسبق حسنى مبارك، حفلت وسائل الإعلام المصرية بصخب غير مسبوق، ومعارك سياسية، وإعلامية، وتنوع واسع فى الآراء، وصل حد الفوضى التى اشتكى البعض منها، رغم أنها كانت ترجمة عملية لمرحلة من الحرية أعقبت انسداد قنوات التعبير عن الرأى لفترات طويلة، خاصة فى المحطات التليفزيونية والإذاعية، وإن حظيت الصحف الحزبية والخاصة بهامش من حرية النقد تحت سقف منضبط.
هذا التنوع فى الآراء، وتلك المساحة من حرية النقد ساهمت بلا شك فى تكوين رأى عام مضاد لحكم الإخوان فى وقت لاحق، وأسهمت فى خروج الناس إلى الشوارع فى 30 يونيو 2013، للمطالبة برحيل مرسى وجماعته عن المشهد السياسى، ولم تفلح القنوات الإعلامية الخارجية فى تشتيت المواقف الداعمة لاسترداد الدولة المصرية، واستطاع الإعلام الداخلى بأشكاله المتنوعة أن يقنع المصريين بصحة ما يسيرون إليه وما يتخذونه من مواقف ستؤثر فى صلب حياتهم اليومية فى المستقبل المنظور والبعيد.
وبعد عام من سقوط حكم الإخوان، شهد الشارع المصرى خلاله أحداثا كبرى وصراعا تفجر عنفا داميا، لعب الإعلام المصرى دورا لا بأس به فى تثبت قناعات الناس حول التفاؤل بالمستقبل فانخرطوا فى الاستحاقات السياسية التى أعلن عنها فى 3 يوليو 2013، فشاركوا فى الاستفتاء على الدستور، والانتخابات الرئاسية، وذهبوا إلى صناديق الاقتراع لاختيار أعضاء مجلس النواب، ولم يقصر الإعلام فى حشد المصريين الذين تبرعوا فى أقل من أسبوع بأكثر من 60 مليار جنيه لحفر التفريعة الجديدة لقناة السويس الجديدة.
هذا النجاح للإعلام المصرى كان وليد التنوع فى الآراء، وحتى التراشق بالمواقف المختلفة التى تثرى الحوار وتنضج النقاش، رغم ما قد يظهر على السطح من خلافات ربما يعتبرها البعض تعكس فوضى إعلامية، رغم أن أحدا لم يضبط فى وسائل الاعلام المصرية من يحض على العنف أو يدعو لهدم الدولة، بل على العكس كانت تلك الوسائل تخوض حروبا إعلامية لصد الهجمات التى بدأت تتسلل من جديد عبر قنوات تبث من الخارج، مستغلة ثغرة هنا وأخرى هناك قبل أن يتسع الأمر مع تغييب بعض الأصوات وهجرها إلى منابر أجنبية.
اليوم الإعلام المصرى مدعو للانخراط فى حملة كبرى لتثبت أركان الدولة المصرية فى مواجهة المخاطر التى تحيق بها والتى تشكل هاجسا لا يمكن انكاره، وخاصة قضية مكافحة الإرهاب، غير أن التحديات التى تشغلنا جميعا تحتاج أيضا إلى تثبيت الإعلام، بمعنى الحرص على تنوعه، وإعطائه أكبر مساحة من حرية النقد والتعليق، فالرأى المخالف إضافة وليس خصما من المعادلة، بل أحيانا يكون النقد مفتاح الوصول للقرار الأفضل وإن لم يكن الأمثل.
الدولة المصرية تحتاج مساندة الإعلام المصرى، هذه حقيقة، لكن الإعلام المصرى يحتاج بدوره من الدولة المصرية تثبيت أركانه، وتدعيم أسس الاحترافية فى عمله، والاستعانة بكل مؤهل وقادر على التعاطى مع تلك الاحترافية، وأن يكون أهل المهنة فى مقدمة الصفوف، لأن بمثل هؤلاء ينهض الإعلام، ومن ثم تجد الدولة من يدافع عن دعائمها، وبما يعيد لرجل الشارع الثقة فى العلاقة بين الحاكم والمحكوم، لا أن ينصرف إلى قنوات تسعى لتخريب تلك العلاقة، باختصار نريد إعلاميين ذوى مصداقية، وليس أبواقا يضر ما يخرج من حناجرها أكثر من ضرر المتربصين بهذا الوطن.