نداء فريد نجيب سرور
سيد محمود
آخر تحديث:
الأربعاء 1 سبتمبر 2021 - 9:45 م
بتوقيت القاهرة
وجه فريد نجل الشاعر الراحل نجيب سرور قبل أيام عبر مواقع التواصل الاجتماعى نداء لكبار المسئولين فى مصر بأمل حثهم على رعاية والدته السيدة الروسية ساشا التى تصر على العودة لمصر.
عاشت ساشا فى الهند عامين وأكثر بعد أن توفى ابنها شهدى هناك وكانت قد ذهبت إليه بأمل مساندته فى المرض الذى أدى إلى موته، ولم تفلح نداءات المثقفين وقتها فى الوصول لحل عملى يضمن مساهمة مصر فى علاجه.
وعلى الرغم من ظرفها الصحى الصعب، وشيخوختها ترغب ساشا الآن فى العودة لمصر لكى تدفن إلى جوار زوجها الذى ساندته فى مختلف المحن التى تعرض لها وهى لا تعد أو تحصى.
يعلم القاصى والدانى فى حياتنا الثقافية مأساة هذا الشاعر الذى يصر البعض على اختصار تجربته فى نص احتجاجى وحيد كتبه فى فترة مضطربة من حياته خلال العام 1961، ولا يزال هذا النص أحد أكثر النصوص الاحتجاجية تداولا عبر الانترنت، فى حين يتم تجاهل إبداعاته الأخرى سواء انتاجه الشعرى أو المسرحى أو النقدى وهو أحد من التفتوا مبكرا لابداع نجيب محفوظ وكتب عنه كتابا شهيرا.
لكن النص الاحتجاجى بطابعه يبقى مغريا للجميع، فهو من النصوص التى استعملتها فئات كثيرة، لدرجة أن درجات استقباله تباينت، ما بين الرفض الشديد أو الإعجاب الشديد وعلى هذه القاعدة تم تعميمه وإشهاره، وبقى فى كل الأحوال نصا كاشفا عن تجذر المعاناة الإنسانية التى عاشها الشاعر الذى لم يجد أمامه من مفر سوى، الألم والتنديد بما واجهه من تواطؤ وتهميش، لذلك تحول عقب موته فى مستشفى للأمراض العقلية إلى «شعلة غضب» تتواصل نيرانها إلى الآن.
مات نجيب سرور موتا ماسأويا وظلت «التراجيديا الإنسانية» التى مجدها تلاحق أفراد عائلته فى صورة لعنات متتالية، ولم تعد كتاباته متاحة ولم تنل ما تستحق من اهتمام، فالمجموعة الشعرية «التراجيديا الإنسانية» و«لزوم ما يلزم» «بروتوكولات حكماء ريش» اختفت الآن ولم يعد هناك جهة واحدة تتحمس لإعادة طبعها، كأنها هى الأخرى لعنة من نوع مختلف تنتمى لزمن آخر، كذلك ما زال ديوانه «الطوفان الكبير» ناقصا ولم تُكتمل قصائده أو تنشر بشكل صحيح لأن صاحبها كتبها فى ذروة المرض النفسى الذى تفشى فى أعقاب المعالجة التى قدمها لمجازر أيلول الأسود عام ١٩٧١ وتصديه لموضوع الصراع الذى نشب فى الأردن بين القوات المسلحة الأردنية ومنظمة التحرير الفلسطينية فى مسرحيته «الذباب الأزرق»، مما دفع السلطات آنذاك لإيقاف عرض المسرحية.
وظل الراحل يدفع الثمن إلى أن تم اتهامه بالجنون.
الآن ذهب ذلك كله إلى التاريخ وهو ليس دائما يصدر حكما عادلا أو ينصف أما نحن فلم يعد لدينا سوى تجارة الأمل وما علينا سوى النظر فى بيان فريد، كفرصة ذهبية لإعادة الاعتبار للشاعر الراحل وتحقيق رغبة أرملته الروسية العجوز فى أن تعيش ما تبقى لها من عمر فى مصر وأن تحظى برعاى صحية لائقة.
يقول فريد فى بيانه أن أمه، ذات الـ٩٠ عاما، وهى السيدة العظيمة Aleksandra Korsakova تعانى من امراض الشيخوخة، وفقدت أيضا قدرتها على السير بسبب ضعف ساقيها كما تعانى من اضطرابات فى جهازها الهضمى وبسبب ذلك تآكل بصعوبة وأصبحت نحيفة جدا، لكنها ترغب فى أن تدفن مع رجلها، وحبيبها، وزوجها العظيم فى قريته (أخطاب) التى كانت مسرحا لإبداعاته.
وهذه الرغبة قد تكون السبب الوحيد الذى يبقيها على قيد الحياة، فقد كافحت لكى تمنحها الهند إذن سفر بعد أن اضطرتها كورونا لكسر تأشيرة الإقامة وها هى قد حجزت بالفعل تذاكر العودة على «الخطوط الإماراتية»، وسوف نصل بإذن الله لمطار القاهرة، فى العاشرة من صباح يوم ٩ من سبتمبر القادم، لأن الرحمة واجبة وممكنة ــ كما يقول الابن ــ فهو يأمل أن تجد الأم فى مصر فرصا للرعاية والعلاج والحب قبل الموت أيضا وليس بعده فقط، ولذلك يرجو ان تصل رسالته إلى رئيس الوزراء لكى يتم ارسال سيارة إسعاف لاستقبالها فى المطار، بحيث تنقل إلى مستشفى حكومى لتحظى بالرعاية الواجبة قبل أن تنقل إلى منزل زوجها الراحل كنوع من التكريم الذى كان يستحقه الشاعر العظيم الذى كسرت النكسة ظهره وهزت روحه كما فعلت مع آخرين.