تونس تُوقف تمدد الأصولية
صحافة عربية
آخر تحديث:
الجمعة 31 أكتوبر 2014 - 8:05 ص
بتوقيت القاهرة
شكلت الانتخابات البرلمانية الأخيرة فى تونس نصرا واضحا على الجماعات المصنفة محليا وإقليميا فى خانة الحركات الإرهابية، وفى مقدمتها جماعة «أنصار الشريعة» التى هددت بإفشال الانتخابات وكانت تُعد العدة لإفسادها. وأتت نسبة المشاركة التى تجاوزت ستين فى المائة (كانت أكثر من ثمانين فى المائة خلال انتخابات المجلس التأسيسى فى 2011) لتؤكد أن التونسيين باتوا يثقون بأن صندوق الاقتراع هو الفيصل فى اختيار من يحكمهم ورفضهم أى عنف أو انقلاب أيا كانت مسوغاته. كما أثبتت الانتخابات أن الخيار الحداثى أصيل وراسخ فى البيئة التونسية، بحكم الانفتاح التاريخى للمجتمع على الغرب والذى ساعدت عليه الجغرافيا (وجود الأقليات منذ القديم) والنظام التعليمى بعد الاستقلال.
واللافت أن المؤسستين الأمنية والعسكرية لعبتا دورا حاسما فى إنجاح المسارين الانتخابيين اللذين عرفتهما تونس بعد الثورة، وعبأت المؤسستان ثمانين ألف عنصر فى أكبر عملية انتشار أبصرها البلد، ما يُفسر إحباط العمليات الإرهابية التى كانت مُعدة للتشويش على الاقتراع. ووصلت التعبئة إلى درجة أن عدد عناصر الطاقم الأمنى كان أكثر من عدد الناخبين فى بعض مراكز الاقتراع النائية.
أما على الصعيد السياسى ففى مقدم النتائج المتوقعة بعد حلول أكبر حزب أصولى فى تونس فى الرتبة الثانية خلال الانتخابات الأخيرة توقف تمدد الأصولية فى المنطقة، إذ كانت التجربة الانتقالية التونسية التى قادتها حركة «النهضة» مع حليفيها «التكتل» و«المؤتمر» تُقدم بوصفها أنموذجا لقدرة الأحزاب الإسلامية المعتدلة فى العالم العربى على المساهمة فى بناء الديمقراطية. غير أن أداء الحكومتين اللتين شكلهما حزب «النهضة» كان على درجة من قلة الخبرة والغطرسة ما جعل التونسيين يتنفسون الصعداء عندما أجبرت المعارضة الحكومة الثانية على الاستقالة فى مطلع العام الجارى. والثابت أن الأداء ذاك هو الذى يُفسر إعراض المقترعين عن منح أصواتهم لـ«النهضة». وأيا كان مآل الجدل الدستورى الدائر حاليا فى شأن أحقية الرئيس الانتقالى الحالى تكليف الحزب الأول الفائز فى الانتخابات تشكيل الحكومة أم انتظار انتخاب رئيس جديد مباشرة من الشعب فى أواخر العام، فالتكليف سيذهب حكما إلى غريم الأصوليين أى الحزب الليبرالى «نداء تونس».
يتزامن تراجع الأصوليين فى تونس مع هزيمة عسكرية للجماعات المتشددة فى ليبيا، المرتبطة بحركة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية حزب «العدالة والبناء»، والتى فقدت غالبية مواقعها فى بنغازى. وسيضع المشهد التونسى الجديد الأصوليين الليبيين فى كماشة بين تونس ومصر، إضافة إلى إحكام غلق الحدود الجزائرية مع ليبيا، ما يترك أمامهم مجالا واحدا للتمدد فى اتجاه النيجر ومالى. ويمكن القول إن استتباعات الانتخابات التونسية، معطوفة على ما جرى فى مصر ستجعل النظرية الأمريكية، التى تبنتها أطراف اقليمية مختلفة سبق أن بشرت طويلا بإرساء منهج جديد فى الحكم يقوم على تحالف الأصوليين والليبراليين، رؤية لا تستند إلى أى أساس لتجسيدها فى الواقع.
واستطرادا يمكن القول أيضا إن الانتخابات التونسية أعادت التوازن إلى المشهد السياسى بعدما اعتمد حزب «النهضة» فى الانتخابات السابقة خطة تقسيم التونسيين إلى مؤمنين وغير مؤمنين، فصدق كثيرون تلك الرؤية ما حشد الأصوات للحزب ووضعه فى مركز متقدم على كل الأحزاب الأخرى وسوّغ له أن يتصرف بوصفه الماسك الوحيد بالسلك الكهربائى. والثابت أن تجربة حكم «الترويكا» (2011 - 2013) هى التى أغرقت الحزبين اللذين انتقتهما ليكونا حليفيها فى الحكم فاْمحى وجودهما تقريبا من المشهد الذى فرزته الانتخابات البرلمانية.