جريدة الخليج ــ الإمارات: حقيقة الرحلة ووهمها
صحافة عربية
آخر تحديث:
الإثنين 31 أكتوبر 2022 - 7:10 م
بتوقيت القاهرة
نشرت جريدة الخليج الإماراتية مقالا للكاتب حسن مدن، تحدث فيه عن أدب الرحلات، وما الذى يجعله من أكثر الكتابات تشويقا. كما تناول الكاتب خطورة التسليم بكل ما جاء فى كتب الرحالة، لأنها وإن كانت تنقل الحقيقة بعيونهم إلا أنها تنطوى على مقادير من التلفيق والمبالغة... نعرض من المقال ما يلى:
يُعدّ أدب الرحلات، من أكثر الكتابات تشويقا، حين يكون الكاتب متمكنا ودقيق الملاحظة، وللمتعة فى هذه الحال مصدران على الأقل، الأول: هو تعريفنا، كقراء، على ما نجهل من بلدان وأمكنة، زارها الكاتب المعنى، فحكى لنا ما رآه فيها، وبالتى مدّنا بمعلومات لا نعرفها، سواء أكان ذلك فى وصف الطبيعة أم المعالم أم سمات الناس وطبائعهم فى البلد أو البلدان، موضع الحديث، أما المصدر الثانى فهو أسلوب الكاتب ورؤيته؛ تصبح القراءة ممتعة وشائقة حين يكون تعبير الكاتب عمّا رأى ممتعا وشائقا، وتكون كذلك أيضا حين يتحلى هذا الكاتب بنباهة ودقة فى التقاط التفاصيل.
ليس كل كتابات الرحالة تتمتع بذلك، ولكن لا يجد الباحث بُدًّا من العودة إليها، حين يريد إضاءة زوايا موضوع يتناوله، خاصة حين يخص التاريخ، وربما الجغرافيا بمقدار ما، فلعلّه يعثر على معلومة نادرة التقطها ذلك الرحالة فى المكان الذى قصده، ولا يقتصر الموضوع على المعلومات وحدها، وإنما يشمل الانطباعات التى كوّنها الرحالة ودوّنها فى كتاباته.
ما يميز أدب الرحلات، هو أنه يتيح لك معرفة المكان أو الواقعة أو الأفراد بعين الغريب. لا يمكن اعتبار وصف يكتبه كاتب لبلاده أو مجتمعه بأنه أدب رحلة، حتى لو طال مدينة أو منطقة أخرى غير تلك التى يسكن فيها فى ذلك البلد، فهو يرى ذلك بعين أبناء بلده وثقافتهم، وما يثير فضولنا فعلا هو أن نرى كيف رأى الآخرون بلدانا أو أماكن غير بلدانهم وأمكنتهم، وكأمثلة يجذبنا كثيرا أن نعرف مصر أو بلاد الشام والعراق أو الجزيرة العربية أو بلدان المغرب العربى فى عيون الرحالة الأوروبيين أو فى كتابات صينية أو هندية قديمة، ليس لأن أصحابها رأوا ما لا نراه بالضرورة، وإنما، أساسا، لأنهم رأوه بعيون أخرى غير عيوننا، ومن موقع ثقافى وحضارى مغاير لموقعنا.
مؤلف كتاب «أدب الرحلات»، كارل طومسون، الذى ترجمه محمد الجندى وصدر عن المجلس القومى للترجمة فى مصر، ينبهنا إلى أمر مهم، حين تحدث عن «الوهم والحقيقة» فى أدب الرحلة، كأنه يحذر من التسليم بكل ما يكتب فى هذا المجال، فقد ينطوى الأمر، إضافة إلى الحقائق، على مقادير من التلفيق أو المبالغة.