حالة الرئيس
عماد الغزالي
آخر تحديث:
الإثنين 31 ديسمبر 2012 - 9:05 ص
بتوقيت القاهرة
كما نجح الرئيس مرسى بسياساته العشوائية المرتبكة وانحيازه القاطع لجماعته فى توحيد فصائل المعارضة، فقد نجح فى خطابه أمس الأول بمجلس الشورى فى توحيد مانشيتات صحف الحكومة الثلاث، الأهرام والأخبار والجمهورية، فجاءت جميعها على النحو التالى: «الذين يتحدثون عن إفلاس مصر هم المفلسون».
أرجو أن تلاحظ الصيغة التهكمية التى انطوى عليها وصف الرئيس للمختلفين معه، الذين حذّروا من خطورة الوضع الاقتصادى لمصر خلال الشهور الثلاثة المقبلة، استنادا إلى تقارير دولية موثوقة، وبيانات البنك المركزى المصرى الذى وصف وضع مصر المالى بـ«الحرج»، كما أرجو أن تلاحظ احتفاء صحف الحكومة برشق الرئيس لخصومه، وكان بإمكانها لو أرادت أن توصّل رسالة الطمأنة «المخادعة» التى انطوى عليها خطاب الرئيس، أن تكتفى بالقول إن شبح الإفلاس بعيد عن مصر، أو أنها قادرة على تجاوز أزمتها، ولا بأس فى هذه الحالة من الإشارة إلى الإحصاءات والأرقام «الهمايونية» التى ذكرها الرئيس فى خطابه، والتى تشير إلى أن كل شىء على ما يرام، فالسياحة مزدهرة، ومعدلات النمو فى زيادة، والبطالة تتراجع، والاستثمارات تنهمر، ومساحة الأراضى الزراعية تتضاعف، والمصانع تتكاثر، إلى آخر ما ذكره فى خطابه، الذى قوبل بتصفيق حاد من أهله وعشيرته، والذى يعنى حرفيا أن اقتصاد مصر متين، وأنه لا يحتاج حتى إلى العشرين مليار دولار التى وعدنا بها الشيخ القرضاوى من فوق منبر الجمعة بالعاصمة القطرية الأسبوع قبل الماضى، إذا قلنا نعم فى الاستفتاء (بالمناسبة يا شيخ قرضاوى نتيجة الاستفتاء طلعت فأين العشرون مليارا؟).
لا أريد أن أتوقف كثيرا أمام أرقام الرئيس التى تكذّبها المؤسسات الدولية والمحلية والخبراء العدول، ولا أناقش أداءه «الإقصائى» الذى يثبت ما بات معلوما عنه بالضرورة، من أنه ليس رئيسا لكل المصريين، ولا حتى احتفاء الصحف الحكومية الإخوانية بهذا الأداء الاستعلائى المتوتر، والذى تستحق عنه بجدارة الفوز بلقب «سحرة الفرعون» الذى أطلقه مرشد الجماعة على الصحفيين والإعلاميين.
لكننى فى الحقيقة متوقف أمام «حالة» الرئيس مرسى، وأتساءل إذا كان يصدق فعلا ما يقوله، أو يصدق أننا نصدق ما يقوله، وفى الحالتين ثمة خطر فادح، فإذا كان يصدق ما يقوله فإن ذلك يعنى أنه لا يعرف، وأن التقارير التى يستند إليها ويبنى عليها تقديراته للمواقف، والتى تصله من المقطم أو غيره، مضللة، أما إذا كان يصدق أننا نصدق ما يقوله فهذا يعنى أنه لا يعرفنا، فنحن الذين لسعتنا الشوربة ياسيادة الرئيس (مصيبة ماتكونش عارف المثل ده كمان) بننفخ فى الزبادى، وسوابقك معنا فى الحنث بالوعود أكثر من أن تحصى، من أول مشروع النهضة الطائر بجناحين، إلى الـ200 مليار التى تنتظرنا فور انتخابك،إلى احترامك للدستور والقانون، إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، إلى عدم طرح الدستور غير التوافقى للاستفتاء، إلى إعادة تشكيل اللجنة التأسيسية...
لكن طرأ على ذهنى خاطر ثالث ربما يفسر «حالة» الرئيس: الرئيس لا يخاطبنا نحن، ولايهتم إن كنّا نصدقه أو لا نصدقه، هو يخاطب جماعته، أهله وعشيرته، تماما كخطيب المسجد الذى لا يأبه سوى بالمتحلقين حوله، الشاخصين بأبصارهم نحوه، المتعلقة قلوبهم بأهداب حديثه، أما نحن «الأغيار»، العلمانيين الليبراليين المنافقين (وأحيانا الكفرة)، فإنه لا يرانا.
أظن أن هذا هو التفسير الأمثل لـ«حالة» الرئيس.