التحديات الاجتماعية للتحول الرقمى

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: السبت 31 ديسمبر 2022 - 8:20 م بتوقيت القاهرة

نشر المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية مقالا للكاتب مؤمن موسى، تحدث فيه عن أبرز المعوقات التى يمكن أن تواجه مصر فى جهودها نحو التحول الرقمى، وكيفية مواجهتها... نعرض من المقال ما يلى:
تشهد مصر حاليا عملية تحول رقمى واسعة فى مؤسساتها، تهدف إلى إتاحة خدماتها إلكترونيا للمواطنين والمواطنات، بالإضافة إلى ضبط وحوكمة آليات سير العمل، وتسهيل الإجراءات وحفظ البيانات بشكل آمن. فى هذا السياق، يتم تطبيق عدة استراتيجيات وأنظمة تمكن من سير الأعمال بشكل ذكى بحيث يتم استغلال تطور التكنولوجيا الكبير الحاصل، لخدمة الشعب المصرى بشكل أسرع وأفضل، لرفع الكفاءة وتقليل الأخطاء وزيادة الإنتاجية. لكن جهود التحول الرقمى فى مصر تواجه عدة معوقات اجتماعية واقتصادية وتقنية وقانونية، مما يتسبب فى تعطيل سرعة إنجاز التحول. وتعد العوامل الاجتماعية من أهم المعوقات التى يجب الالتفات لها، حيث إن العنصر البشرى هو جوهر نجاح أو إحباط أى عملية إصلاح.
طبقا لجامعة الكويت، التى استعانت فى دراسة لها بخبراء فى تكنولوجيا المعلومات للوقوف على المعوقات المحتملة للتحول الرقمى على مستوى الجامعات، فإن خوف العاملين من فقدان الوظيفة وعدم الرغبة فى التغيير يعدان أكثر المعوقات تأثيرا. وبطبيعة الحال فإن الإنسان عدو ما يجهل. ولذلك تحديدا، كان لزاما على الدولة أن تقوم بطمأنة موظفات وموظفى مؤسساتها، المستهدفة بالتحول الرقمى، على مستقبلهم الوظيفى وأن تؤهلهم بما يتناسب مع المرحلة المقبلة من خلال تزويد الأيدى العاملة بالتقنيات والمهارات اللازمة عوضا عن استبدالهم. كما يجب العمل على مواجهة ثقافة رفض التغيير من خلال تعزيز روح الحداثة ومواكبة العصر بين الموظفين، بحيث يكونون قادرين على العمل المتطور واستكشاف أفكار وفرص جديدة فى الآليات الرقمية قد تسهل من إنجاز مهامهم. وقد لجأ كثير من مدراء الشركات العالمية عند إدخال ثقافة رقمية جديدة لتجميع فريق خاص بالابتكار الرقمى، يعمل على تجربة الأنظمة المستحدثة، وإتاحة الفرصة لباقى أفراد المؤسسة للعمل مع هذا الفريق بشكل تدريجى، وذلك لإعطاء الفرصة لتفهم ثقافة العمل الجديدة وآلياتها.

الرغبة فى احتكار المعرفة
أظهرت التجارب العالمية عائقا جديدا هو التردد فى مشاركة العاملين للمعارف والخبرات والبيانات بسبب الطبيعة البشرية التى تعتز بالتحكم بالمعلومات وامتلاكها والظن بأنها حكر للموظف المسئول وأن استئثاره بها حماية وأمان له، وهنا يجب أن يكون التدخل بحكمة لتوضيح الاستفادة التى ستعود على الموظفين ــ بشكل مباشر ــ من تطبيق السياسات التكنولوجية فى العمل. ويمكن دائما شرح التطوير من خلال معايير يمكن قياسها تتعلق بدقة تنفيذ المنتج أو تقديم الخدمة وسرعة الإنجاز ورضا العملاء وغيرها من المعايير. لكن يظل دائما البعد الاقتصادى هو أقصر الطرق لاستمالة الموظفين والموظفات وتحييدهم بعيدا عن مقاومة التغيير. على سبيل المثال، يمكن ربط حافز مادى بتحقيق مستهدفات معينة فى الخدمات المقدمة إلكترونيا ما يجعل الجميع يتطلع لإنجاح المنظومة.

الافتقار للمهارات
قد تصطدم الدولة أحيانا، بعد بدء عمليات التحول الرقمى داخل بعض المؤسسات، بافتقار العاملين للمهارات الأساسية اللازمة للتعامل مع الأساليب الجديدة. والأصل فى التخطيط الجيد لإدارة التحول هو حصر ودراسة جميع الموارد الموجودة مقابل ما هو مطلوب لإحداث التحول، بما فى ذلك الموارد البشرية وتحديد مدى كفاءة العنصر البشرى وقياس استعداده للتعامل مع التكنولوجيا. فإن حدث وفات ذلك على البعض، يكون دور التدريب والتأهيل حيويا. وفى مصر تلعب الأكاديمية الوطنية للتدريب دورا محوريا فى القيام بالتأهيل المطلوب وتدريب قطاع كبير من موظفى الدولة على الآليات الرقمية من خلال برامج تدريبية مكثفة شهد الجميع بتميز محتواها. وبإلقاء نظرة سريعة على نتاج مجهودات الأكاديمية فى برنامج «الموظف الحكومى المحترف»ــ واحد من عديد البرامج التى تقدمها الأكاديمية الوطنية للتدريب ــ نجد تطورا كبيرا فى تعامل خريجى هذا البرنامج مع وسائل تكنولوجيا المعلومات، وخاصة هؤلاء الذين يقدمون خدمات حكومية للمواطنين والمواطنات فى المحليات، متاحة على منصات رقمية كالموقع الإلكترونى وتطبيقات الهواتف الذكية.

مخاوف الخصوصية
الطرف الآخر فى معادلة التحول الرقمى هو الشخص المستخدم. وفى حالات كثيرة يخشى من يطلب الخدمة من إمداد المنصة الرقمية المقدمة للخدمة ببياناته الشخصية تحسبا من اختراق خصوصيته. يزداد الخوف من مشاركة البيانات إذا ما تعلق الأمر بالمعاملات المالية وتحديدا عند القيام بعمليات الدفع الإلكترونى. لهذه الأسباب اعتبرت دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة ــ وهى دولة ذات تجربة رائدة وفريدة فى التحول الرقمى ــ أن «نجاح التحول الرقمى مشروط بحماية البيانات الشخصية» كما صرح سمو الشيخ محمد بن راشد حاكم دبى فى مارس 2019. وأكدت على هذا المعنى إحدى الشركات البريطانية الرائدة فى مجال الاتصالات على لسان نائب رئيس الشركة الذى قال فى إحدى المقابلات الصحفية: «إن التحول الرقمى الذى يحدث فى الإمارات، ومنطقة الخليج عموما، يُعد خطوة إيجابية للمضى قدما، ولكنه لن يحقق النجاح المنشود، إلا إذا استطاعت الشركات والمؤسسات، ضمان الحق فى الخصوصية، من خلال حماية البيانات الشخصية للأفراد والمؤسسات». وأضاف: «أمن البيانات أمر حيوى فى الاقتصاد الرقمى الحالى، وهو عنصر التمكين رقم واحد، الذى يسمح للمؤسسات ببناء الثقة العامة. وعلى العكس من ذلك، فإن ضعف الأمن، هو أحد العوامل التى تُمثّل عائقا، وسيؤدى إلى تقويض جميع الجهود الرامية إلى التحوّل الرقمى».
إذن لابد من الانتباه للتحديات المتعلقة بحماية البيانات ومنع تسريبها بشكل إرادى (بسبب الفساد الإدارى) أو غير إرادى (بسبب الإهمال) أو الاختراقات الخارجية من الأطراف المعادية. ولتحقيق ذلك، هناك حاجة إلى مجموعة من الضوابط الأمنية والوقائية والاستباقية والتفاعلية. حيث ينبغى أن تدور كل عملية وكل تطبيق من تطبيقات تكنولوجيا المعلومات، وكل مجال من مجالات البنية التحتية التكنولوجية، حول حماية خصوصية البيانات حتى يصل المستخدم ــ أو المواطن والمواطنة فى هذه الحالة ــ إلى مرحلة الثقة والاطمئنان لإجراءات التحول الرقمى ويصبح مشاركا فعالا فى تلك العملية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved