السلوك المعتاد للرئيس الأمريكى دونالد ترامب القائم على «فرض» وقائع وملاءمتها مع الأطروحة الإعلامية التى يرغب فيها ليس أمرا جديدا، ويجب أن يُقلق فى الأساس مواطنى دولته. لكن تبنى الرئيس الأمريكى أخيرا خطا إعلاميا، ونوعا من «الأخبار الملفقة»، يجب أن يثير قلقنا أيضا.
ففى حديث أجراه ترامب مع صحفيين بمناسبة عيد الشكر، حاول فيه أن يبرر لماذا لا تستطيع الولايات المتحدة معاقبة السعودية بعد أزمة خاشقجى حيث إنه «من دون السعودية إسرائيل ستكون فى ورطة كبيرة»، قال ترامب ملمحا بذلك إلى أن الولايات المتحدة ملتزمة بالمحافظة على أمن إسرائيل. حيث إن الالتزام بأمن إسرائيل يأتى فى سلم الأولويات الأمريكية، ويتقدم على الالتزامات الأخلاقية للولايات المتحدة بالقانون الدولى، وبالأخلاق الإنسانية، وحقوق الإنسان. ظاهريا، يحق لحكومة إسرائيل ومواطنيها أن يشعروا بالرضا وبثقة أكبر بعد تصريح رئيس الدولة العظمى التى تحمينا. لكن التدقيق فى الوقائع وفى دلالات التصريح يجب أن تخلق لدى الإسرائيليين شعورا معاكسا.
أولا، لأن السعودية، عمليا، لا تساهم بصورة كبيرة فى المحافظة على الأمن القومى لدولة إسرائيل، باستثناء موضوع واحد ــ إيران، العدو المشترك لإسرائيل، والسعودية، ودول خليجية أخرى، وحتى للولايات المتحدة الدولة العظمى التى تحمى إسرائيل. وبناء على ذلك، فإن الضغط السعودى على الولايات المتحدة لإضعاف إيران وكبح محاولتها الوصول إلى سلاح نووى، ومنظومة صاروخية بعيدة المدى ودقيقة، وهيمنة إقليمية، يخدم بصورة غير مباشرة إسرائيل أيضا.
تحاول السعودية أيضا أن تدفع قدما بصيغة ترامب لحل النزاع الإسرائيلى ــ الفلسطينى، وبذلك هى فى رأى كثيرين فى إسرائيل تخدم مصلحة استراتيجية لنا. لا يبدو أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يثق بذلك أبدا، والدليل ــ أنه يسعى طوال الوقت لتأجيل تقديم هذه الصيغة التى ستفرض عليه تقديم تنازلات مؤلمة لن ترحب بها «قاعدته» اليمينية. التحالف القائم بين السعودية والولايات يخدمان بصورة غير مباشرة وغير مقصودة أمن دولة إسرائيل.
فى مواجهة هذه الحقائق التى تثبت ضآلة مساعدة السعودية وقيمتها بالنسبة إلى أمن دولة إسرائيل، هناك من يطرح فى الإعلام الإسرائيلى والدولى أنه إذا قررت إسرائيل مستقبلا مهاجمة منشآت السلاح النووى والصواريخ الباليستية فى إيران من أجل تدميرها، فإنه من المحتمل أن تسمح السعودية لطائرات سلاح الجو بعبور مجالها الجوى، وبذلك ستسهل تنفيذ المهمة.
تجربة الماضى القريب تسمح لنا بالقول بثقة إنه من دون إسرائيل وقدراتها الاستخباراتية والعملانية، فإن السعودية والإمارات والولايات المتحدة سيكونون فى ورطة كبيرة أمام توجه إيران للسيطرة على الشرق الأوسط، وعلى سوق الطاقة العالمى. ويمكن القول، بالاستناد إلى تقارير فى وسائل الإعلام العالمية أن المواد الاستخباراتية النوعية التى تقدمها إسرائيل للدول الصديقة لها تساهم مساهمة مهمة فى بناء قدراتها الدفاعية فى مواجهة القاعدة وداعش لذلك نجد أن ترامب بالغ فى تقدير أهمية مساهمة السعودية فى أمن إسرائيل.
لهذه المبالغة بالتأكيد ما يبررها. لدى ترامب سبب جيد لتشويه الحقائق. فهو بحاجة إلى الحجة الإسرائيلية كى يتوقفوا عن مضايقته بشأن رد الولايات المتحدة على السعودية فى قضية خاشقجى، وهو يستطيع أن يستخدم صفقة السلاح مع السعودية. وهو بحاجة إلى الذريعة الإسرائيلية كى تواصل السعودية إغراق سوق النفط العالمى بنفط رخيص، وكى لا تؤدى العقوبات المفروضة على تصدير النفط من إيران إلى ارتفاع شامل للأسعار.
لكن بالنسبة إلى ترامب «الذريعة الإسرائيلية» هى ورقة رابحة، لذلك استخدمها فى مقابلة أجرتها معه «الواشنطن بوست» فى رده عن تساؤل: «هل سنبقى قوات أمريكية فى الشرق الأوسط؟ قائلا سبب واحد لذلك هو إسرائيل». وأضاف أن النفط الشرق ــ الأوسطى هو حاليا سبب أقل أهمية بالنسبة إلى الوجود الأمريكى العسكرى فى الشرق الأوسط. ذلك لأن «الولايات المتحدة تنتج اليوم نفطا أكثر من أى وقت سابق». هذه الحجة صحيحة فى أساسها، لكن ليس بصورة مطلقة حيث لا تزال الولايات المتحدة بحاجة ماسة إلى الدول العربية المنتجة للنفط لأنها تشكل طرفا مركزيا فى سوق النفط العالمى وفى تحديد أسعاره. وستبقى لها مكانتها هذه فى المستقبل أيضا بسبب الاحتياطات الضخمة للنفط والغاز فى أراضيها.
لذلك لا تزال الولايات المتحدة بحاجة إلى علاقات جيدة مع الدول العربية المنتجة للنفط، كى لا تخفض بصورة جذرية أسعار النفط. فإذا فعلت ذلك ستخسر الولايات المتحدة المليارات. ففى ظل أسعار نفط منخفضة لن يكون من المجدى لشركات النفط الأمريكية إنتاج النفط من أراضى الولايات المتحدة من خلال عمليات عالية التكلفة نسبيا. لقد قام السعوديون بمثل هذه المناورة قبل سنوات، ويتذكر ترامب المليارات التى خسرتها صناعة النفط الأميركية بسبب ذلك فى عهد أوباما. ولذلك من المهم جدا لترامب الإبقاء على قوات أميركية فى العراق ــ دولة مهمة منتجة للنفط فى الشرق الأوسط ــ كى لا يسقط العراق فى أيدى الإيرانيين.
يبقى ترامب قواته الخاصة فى سورية ليس فقط لأن هذا جيد لإسرائيل، أو لأن نتنياهو طلب منه ذلك، بل فى الأساس لأن خبراء الأمن القومى شرحوا له أن الحرب فى سورية ضد داعش لم تنته، وأن الوجود فى سورية مهم، كى يكون لدى الولايات المتحدة أداة ضغط عسكرية، ودبلوماسية واقتصادية تهدد بوتين والوجود الروسى فى سورية.
باختصار، فى ضوء ادعاءات ترامب المتكررة أن الوجود العسكرى الأميركى ضرورى فى الأساس بسبب إسرائيل، سيكون هناك كثيرون فى الولايات المتحدة يتهمون إسرائيل بسقوط جنود أميركيين ضحوا بحياتهم من أجل أمنها. وفى الولايات المتحدة لا ينسون مثل هذه الادعاءات، وحتى ترامب ــ الذى اخترع «الذريعة الإسرائيلية»، الكاذبة ــ يمكن أن ينقلب علينا، إذا تعقد الوضع فى المنطقة.
رون بن يشاى
محلل عسكرى
يديعوت أحرونوت
مؤسسة الدراسات الفلسطينية