فى نيسان/أبريل 1984 خطف أربعة فلسطينيين مسلحين بالسكاكين باصا كان فى طريقه من تل أبيب إلى عسقلان. قتل اثنان منهم خلال عملية إنقاذ قامت بها سييرت ميتكال، والاثنان الآخران صفيا بطريقة غير قانونية مباشرة فور انتهاء العملية. وعندما كشف الصحفى ألكس ليفك وصحيفة «حداشوت» ما حصل ــ هبت عاصفة فى إسرائيل. وشكلت لجنة تحقيق، وأقيل مسئولون كبار فى الشاباك، وتزعزعت الحكومة.
وفى ختام مرحلة صاخبة ومضطربة استمرت عامين ونصف العام، أثمر الضغط الشعبى ــ الإعلامى، عن وضع معايير جديدة غيرت وجه جهاز الأمن العام، وحددت من جديد العلاقات بين الأمن والأخلاق والقانون.
فى آذار/مارس 2016 حاول مخربان فلسطينيان مسلحان بسكاكين قتل يهود فى «تل رميدة» الخليل. أحدهما جرى تحييده أثناء تنفيذ الهجوم، والثانى أصيب بجروح بليغة لكن جرى قتله بطريقة غير قانونية بعد انتهاء عملية إحباط المحاولة. وعندما كشف الشريط الذى صورته منظمة «بتسيلم» ما جرى، هبت عاصفة فى البلد. لكن العاصفة هذه المرة كانت مختلفة جدا. وفى الحقيقة، كان الانقلاب فى الأدوار مطلقا. فقد حاولت المؤسسة الأمنية المحافظة على صورة دولة إسرائيل، لكن الضغط الشعبى ــ الإعلامى الجامح وقف إلى جانب الوحشية. وبينما تصرف وزير الدفاع ورئيس الأركان والجيش الإسرائيلى بطريقة حضارية وكمدافعين عن التحضر، فإن جماعة الفيسبوك طالبتهم بعدم اتخاذ إجراء قضائى نظامى ونزيه. وبصوت مرتفع يصم الآذان، صفقت الجماهير للعمل الوحشى.
لقد كانت قضية خط 300، ومن عدة نواح، أخطر وأكثر تعقيدا من قضية تل رميدة. لكن خطوط الشبه والفوارق الكبيرة بين ردود الفعل عليهما تلقى ضوءا كاشفا وقاسيا على عملية التغير التى نمر بها فى العقود الأخيرة. ماذا جرى لنا؟ وكيف وصلنا إلى ما وصلنا إليه؟ وماذا كنا وإلى ماذا تحولنا؟ وإلى أين نحن سنصل؟
إن المعطى الأحدث والأكثر خطرا فى ما يتعلق بوضع المناعة الإسرائيلية، هو الاستطلاع الذى قام به مينو غيفع ومينا تسيمح للقناة الثانية الإخبارية.. إن 66% من الذين شملهم الاستطلاع رأوا أن سلوك الجندى الذى أطلق النار سلوك مسئول أو طبيعى. وكان هذا هو الجو السائد فى قنوات التواصل الاجتماعى. نحو 80% أيدوا الجندى الذى أطلق النار بدم بارد، مقابل 18% تحفظوا. والمجتمع الإسرائيلى نفسه الذى طلب فى الماضى من زعمائه إجراء تحقيق عميق ومعاقبة المسئولين [عن ارتكاب العمل الوحشي] والمحافظة على طهارة السلاح، يطلب حاليا من زعمائه عدم إجراء تحقيق وعدم المعاقبة وعدم الالتزام بأى قاعدة أخلاقية.
إن تضافر الفساد الأخلاقى (العائد إلى الاحتلال) والتطرف القومى (الذى يتغذى من العنف الفلسطينى) مع الثقافة السياسية الجديدة (التى تدمر كل ثقافة سياسية أخرى)، أدى إلى نتيجة مرعبة، وإلى نشوء مزاج شعبوى، عدائى وعنيف فى مركز حياتنا، لا يعرف أخلاقا ولا قانونا ولا حدودا.
• وفى داخل هذا المرجل الذى يغلى برز شخصان: اللواء فى الاحتياط موشيه يعلون، واللواء الذى ما يزال فى الخدمة غادى أيزنكوت. هذان الضابطان الصادقان والشجاعان واجها هذا الأسبوع بصدريهما العاريين هجمات الجمهور المحرض والمحرض. وانقلبت الأدوار، وأثبت وزير الدفاع وقائد الجيش أنهما حاميا الديموقراطية الإسرائيلية والقيم الإسرائيلية.
لكن لا شىء يدوم إلى الأبد. وإذا لم يجر كبح هذا الانهيار فى وقت قريب، فإنه يمكن أن يدفن تحته الجيش والأجهزة القضائية التى أصابها الضعف والتى لا تزال تدافع عن روحية إسرائيل. إن السؤال المطروح ليس أى كتاب اتهام سيوجه إلى هذا الجندى أو ذاك. السؤال هو: هل الجيش جيش أم ميليشيا، وهل إسرائيل دولة قانون؟
بعد 68 عاما نجحت خلالها الدولة اليهودية فى المحافظة على ذاتها (فى ظروف صعبة) كديمقراطية ليبرالية، فإنها من الممكن أن تلتحق بالشرق الأوسط وتتحول إلى جزء لا يتجزأ منه.
أرى شافيط
محلل سياسى
هاآرتس