نشرت صحيفة هاآرتس مقالا للكاتب تسفى برئيل، نعرض منه ما يلى:
لقد مرت عدة أيام منذ أن أسقط الإيرانيون طائرة أمريكية بلا طيار، ولم يقع أى هجوم جديد فى الخليج باستثناء الهجمات التى شنها الحوثيون اليمنيون على مطارات بالسعودية. وتم استبدال الهجمات الغامضة على ناقلات النفط (التى تحتاج فيها الإمارات العربية المتحدة إلى مزيد من الأدلة حتى تثبت التهمة على إيران) بتبادل الخطابات والردود العنيفة.
لقد شخّصت إيران البيت الأبيض بـ «الإعاقة الذهنية» وهددت بأنه إذا هاجمت أمريكا سيادتها مرة أخرى، فسيكون ردها أقوى من مجرد إسقاط طائرة بدون طيار. وعلى الصعيد الآخر، قال الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أنها ستكون «النهاية الرسمية» لإيران إذا قامت بمهاجمة القوات الأمريكية. ولكن ما زال الطرفان يشددان على أنهما لا يريدان الحرب.. وطالب ترامب بإجراء محادثات مباشرة مع إيران، ولكن إيران رفضت لأنها لا تثق بالولايات المتحدة.
وما زالت الأحداث والتصعيدات مستمرة.. حيث هددت إيران بزيادة مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب متجاوزة 300 كيلوغرام ــ وهى الكمية التى كان مسموحا بها بموجب الاتفاق النووى. وأعطت إيران مهلة حتى 7 يوليو للدول الموقعة على الاتفاق، إذ لم تنجح بإقناع الولايات المتحدة بالتراجع عن عقوباتها التى فرضتها على إيران، ستقوم إيران ببدء تخصيب اليورانيوم بنسبة أعلى من 3.7 فى المائة الذى تسمح به الاتفاقية، وربما تصل إلى 20 فى المائة.
***
لا يوجد لدى أطراف الاتفاق النووى استراتيجية لمواجهة إيران ــ ليس فقط بشأن الهجمات فى الخليج، ولكن بشكل أساسى حول انتهاكاتها المخططة للصفقة النووية. تحدث الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون مرارًا وتكرارًا هذا الأسبوع مع كل من الرئيس الإيرانى حسن روحانى وترامب، فى محاولة لتخفيف التوترات وتقليل خطر المواجهة. فقال ماكرون لترامب إن فرنسا تعارض امتلاك إيران للسلاح النووى.. ومع روحانى، تحدث عن جهوده لإطلاق آلية تجارية من شأنها تقلل من أثر العقوبات. وحتى داخل الإدارة الأمريكية، لا يوجد اتفاق حول كيفية التعامل مع إيران، ومن بين أسباب الخلاف ما إذا كان يجب السماح لإيران بتطوير برنامجها النووى للأغراض السلمية. فهناك من يدعو فى الإدارة إلى منع إيران من تخصيب اليورانيوم مثل مستشار الأمن القومى الأمريكى جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو خشية أن يؤدى هذا إلى امتلاك إيران لسلاح نووى.. فى حين تأمل أوروبا أن تحتفظ الولايات المتحدة بأجزاء من الصفقة بدلا من إلغائها بالكامل.
فى ظل غياب أى استراتيجية دبلوماسية أو عسكرية بصرف النظر عن التهديدات بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية ــ والتى يقول ترامب إنه يريد تجنبها ــ فإن الأمر يستحق النظر فى تأثير العقوبات الجديدة التى فرضها على إيران. ووفقًا لوزير الخزانة ستيفن منوشن، فإن قرار فرض العقوبات على المرشد الأعلى لإيران، آية الله على خامنئى، ينبع من كونه صانع القرار النهائى والشخص المسئول عن الحرس الثورى، الذى أدرجته واشنطن كمنظمة إرهابية فى أبريل. وقال منوشن إن خامنئى يسيطر على أصول تقدر قيمتها بأكثر من 200 مليار دولار، والتى يتم استخدامها لبناء القوات المسلحة الإيرانية والقيام بعمليات عسكرية خارج البلاد.
والتساؤل المطروح هنا هو لماذا لم تفرض الإدارة الأمريكية عقوبات على خامنئى من قبل.. ولكن ما يثير الاهتمام حقا أن إيران لديها من الأموال ما يجعلها مستمرة فى سياساتها حتى الانتخابات الرئاسية القادمة. إلى جانب ذلك سيكون من الصعب تنفيذ هذه العقوبات، خاصة وأن معظم الأموال تودع فى إيران. وفى الوقت نفسه، فإن العقوبات المفروضة على وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف قد تؤدى إلى حوث صدام مع الأمم المتحدة، لأنها قد تؤدى إلى حرمان ظريف من تأشيرة لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذى بدوره سينتهك ميثاق الأمم المتحدة.
***
إذا استمر ترامب بالتمسك بالعقوبات كوسيلة لإقناع إيران بالموافقة على التفاوض، فمن الصعب استنتاج نوع الاتفاق الذى يهدف إليه. قبل عام، قدم بومبيو قائمة تضم 12 مطلبا يتعين على إيران الامتثال حتى ترفع واشنطن العقوبات من عليها. ويقسم معظم المحللين هذه المطالب إلى ثلاث فئات.
أولا، المطالب التى يمكن أن توافق عليها إيران، مثل الكشف عن البرنامج النووى العسكرى الذى تديره قبل توقيع الاتفاق النووى. وهذه المعلومات متاحة بالفعل من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على الرغم من أن واشنطن ربما تبحث عن «اعتراف» إيرانى ووقف تهديد الحلفاء الأمريكيين خاصة إسرائيل والمملكة العربية السعودية والتوقف عن تهديد المرور عبر مضيق هرمز.
أما الفئة الثانية فتتألف من مطالب ستواجه إيران صعوبة فى الموافقة عليها، مثل تدخلها فى الشئون الداخلية للعراق وتمويلها للميليشيات العراقية، وإنهاء المساعدات للحوثيين فى اليمن وحزب الله فى لبنان، وسحب قواتها من سوريا.
أما الفئة الثالثة فتتألف من مطالب سترفضها إيران حتما لأنها تمس بأمنها القومى. ويشمل ذلك مطالب بإغلاق منشآتها للمياه الثقيلة، وتجنب معالجة البلوتونيوم للأغراض العسكرية، ووقف تطوير وتصنيع الصواريخ البالستية القادرة على حمل رءوس حربية نووية، وخفض الدعم لفيلق القدس فى الحرس الثورى الإيرانى الذى يقوده حاليا قاسم سليمانى.
مع مرور الوقت، فقدت مطالب بومبيو أهميتها ولم يذكرها ترامب عند الحديث عن رغبته فى التفاوض مع إيران. ولم يحدد ترامب أبدا الخطوط الحمراء بالنسبة له.. والتى ستوضح متى سيكون مستعدًا للتنازل وبأى مقابل. على سبيل المثال، هل سيوافق على بيع الطائرات المقاتلة لإيران إذا أوقفت برنامجها الصاروخي؟ وهل إزالة القوات الإيرانية من سوريا أكثر أهمية بالنسبة له من اعتراف إيران بأنها تحتفظ ببرنامج نووى عسكرى؟
علاوة على ذلك، ما الذى يرغب ترامب فى عرضه على إيران مقابل كل هذا، بالنظر إلى أنه من غير المرجح أن توافق إيران فقط على إزالة العقوبات التى وعدت بها بالفعل فى الاتفاق النووى سنة 2015. فحتما إيران ستطالب بالمزيد لتظهر بأنها حققت إنجازا ولم ترضخ فقط لمطالب الولايات المتحدة.
فى الوقت الحالى، يشبه موقف طهران موقف الفلسطينيين ــ فالموافقة على التفاوض مع أمريكا سيمثل استسلاما، إن لم يكن هزيمة. لكن إيران تعرف كيف تضع صيغًا سحرية عندما تتخذ قراراتها السياسة. قال خامنئى فى 2013: «أتفق مع ما وصفته قبل سنوات بـ«المرونة البطولية»، لأن هذا النهج يعمل بشكل فعال للغاية، وهو ضرورى فى بعض المواقف، طالما أننا نتمسك «بمبادئنا».. ما يضع الأساس للتفاوض على الأسلحة النووية. قال منصور حقّاكبور فى ذلك الوقت، الذى يعمل حاليًا مستشارًا لرئيس البرلمان الإيرانى، إن «تصحيح العلاقة بين إيران والولايات المتحدة من شأنه أن يكسر العمود الفقرى للنظام الصهيونى، وهو حقا الهدف الإيرانى الأسمى الذى قد يستحق التفاوض فيه مع ترامب».
إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى:من هنا