إن قرار الكنيست فى 28 أكتوبر الماضى حظْر عمل الأونروا فى غزة والضفة الغربية هو هدف مضاد بصورة مذهلة، فبعد القرار، سيحصل 2.5 مليون فلسطينى وفلسطينية فى غزة والضفة الغربية على مستوى جديد وأكبر من الحماية الدولية من المفوضية العليا للاجئين (UNHCR)، التى بالنسبة إليها يتمثل الحل الأفضل لحالات اللجوء الطويلة الأمد فى العودة الطوعية إلى الوطن، وحق العودة.
هذا هو نقيض ما كانت تأمل الحكومة اليمينية المتطرفة تحقيقه عندما قررت تدمير الأونروا، وهى فى حالة نشوة سلطة ودوار بعد ما تعتبره انتصارًا عسكريًا فى غزة، وتحركت بصورة واهمة واستنادًا إلى معلومات مغلوطة. لقد اعتقدت الحكومة أنه إذا منعت عمل الأونروا، فسيكون فى الإمكان طرد اللاجئين الذين تقدّم إليهم خدماتها من عملية السلام، ومحوهم من تاريخهم وحرمانهم من حقوقهم، وستختفى حججهم التاريخية.
لكن إسرائيل ستدرك أن 6.8 مليون شخص، وهو عدد اللاجئين المسجلين رسميًا لدى الأونروا (وبينهم أولئك الذين يعيشون فى مخيمات اللاجئين فى سوريا ولبنان والأردن)، لن يختفوا بهذه السهولة، على الرغم من التأييد السياسى لواشنطن والقوة العسكرية لإسرائيل.
إن مسئولية المفوضية العليا للّاجئين فى الأمم المتحدة إزاء اللاجئين الفلسطينيين منصوص عليها فى المادة دال من اتفاقية اللجوء العائدة إلى سنة 1951. وتوضح العبارة الثانية فى المادة هذا الأمر جيدًا: «إذا توقفت هذه الحماية أو المساعدة لأى سبب دون أن يكون مصير هؤلاء الأشخاص قد سوى نهائيًا طبقًا لما يتصل بالأمر من القرارات التى اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة يصبح هؤلاء الأشخاص، بجرّاء ذلك، مؤهلين للتمتع بمزايا هذه الاتفاقية». (الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين، الأمم المتحدة، حقوق الإنسان، مكتب المفوض السامى).
معنى ذلك أنه إذا جرى تطبيق قرار الكنيست ومنعت الأونروا من تقديم الخدمات، فإن اللاجئين الفلسطينين فى ظل غياب حل عادل وقابل للحياة، وهو اليوم بعيد أكثر من أى يوم آخر، سيصبحون خاضعين لاتفاقية اللاجئين، وتابعين للمفوضية العليا للّاجئين UNHCR، وقد تمت الموافقة على ذلك فى الخطوط التوجيهية التى أصدرتها المفوضية سنة 2017. وتشدد المادة 29 على أنه عندما تتوقف حماية الأونروا أو مساعدتها فإن اللاجئ الفلسطينى سيكون بصورة تلقائيه له الحق فى التقديمات بحسب معاهدة 1951.
وفى حالة كهذه، فإن هذا لا ينطبق فقط على اللاجئين الحاليين، بل أيضًا على الأجيال القادمة المسجلة فى الأونروا. وفى ظل غياب قرار بشأن وضعهم كلاجئين، فسيكون لهم الحق فى الحصول على الحماية الدولية المنصوص عليها فى اتفاقية اللاجئين. وكى نكون واضحين، فكما تسجل الأونروا، تسجل المفوضية العليا للّاجئين أيضًا أولاد اللاجئين وفق قانون جمع الشمل. وبناءً على ذلك، فسيظل عدد اللاجئين الفلسطينيين يزداد تحت رعاية المفوضية العليا للّاجئين تمامًا كما كان يجرى برعاية الأونروا، إلى حين التوصل إلى سلام عادل وقابل للحياة.
• • •
فى هذه الأثناء، تواصل الأونروا عملها بالقدر الممكن، وتواصل تحديث قوائمها الخاصة باللاجئين. وقد خاطرت الوكالة بنقل آلاف الوثائق عن السجلات التى يعود بعضها إلى سنة 1948، وأخرجتها من مقر الوكالة فى غزة خلال القتال الحالى، كما أخرجت هذه السجلات من الضفة الغربية ونقلتها إلى مقرها فى عمّان، وبفضل تفانى عمل موظفيها، جرت رقمنة هذه السجلات بالكامل وحفظها.
إن المحافظة على الركيزة الأساسية لثقافة اللاجئين وهويتهم ستكون موضع ارتياح عام وسط الشتات الفلسطينى، ولدى الناجين من النكبة، والذين يواجهون، بحسب فرانشيسكا ألبانيز، المسئولة عن تقديم التقرير إلى الأمم المتحدة، ما تسميه خطر «المحو الاستعمارى». وطبعًا، نظرًا إلى أن إسرائيل غير قادرة على تدمير قاعدة البيانات المهمة، فإنه ستكون لذلك أهمية كبيرة إذا ما قرر اللاجئون المطالبة بحقهم فى العودة أو استعادة أملاكهم والحصول على تعويضات من إسرائيل التى من حقهم الحصول عليها بحسب القانون الدولى الذى أُقر فى القرار 194 الصادر عن الجمعية العمومية فى الأمم المتحدة. وعلى الرغم من أن هذا الأمر غير قابل للتطبيق فورًا، فإن قاعدة البيانات الرقمية الكاملة لوكالة الأونروا تحفظ لهم هذا الحق.
• • •
فى نظرة إلى المستقبل، فإن القيادة الإنسانية ترتقى قيمتها عندما تقول ما قاله الأمين العالم للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش؛ إنه فى غياب الأونروا، فإن واجب تقديم الخدمات إلى اللاجئين الفلسطينيين يقع حصرًا على عاتق قوة الاحتلال إسرائيل. وهذا أمر مخزٍ، لا سيما عندما تكون إسرائيل متورطة فى ما تعتبره محكمة العدل الدولية جريمة إبادة جماعية، بالإضافة إلى إصدار محكمة الجنايات الدولية أوامر اعتقال ضد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، بينها استخدام التجويع كسلاح والاضطهاد وغيرها من أفعال غير إنسانية.
من المحزن سماع جوتيريش يتحدث عن مسئولية الاحتلال. قبل تعيينه أمينًا عامًا للأمم المتحدة، عمل جوتيريش لمدة 10 سنوات فى منصب المفوض السامى للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، ومن الواضح أنه على دراية تامة بتدابير الحماية الواردة فى المادة دال من اتفاقية 1951.
بالإضافة إلى ذلك، من المناسب أن يأتى المفوض السامى الحالى لشئون اللاجئين، فيليبو جراندى، الذى شغل سابقًا منصب نائب المفوض العام عن الأونروا، وبعدها منصب المفوض العام منذ سنة 2005 وحتى سنة 2014 وقد دافع عن الوكالة علنًا وبحزم، ومن المعروف التزامه بقضية اللاجئين الفلسطينيين. فى هذه اللحظة الحرجة، يتعين على القيادة الرفيعة المستوى فى الأمم المتحدة أن تتعهد بصورة قاطعة أمام الشعب الفلسطينى بأن للأمم المتحدة واجبًا تاريخيًا إزاءهم، وأنها ستدافع عن حقوقهم، وسيكون لهم الحق فى العودة كعشرات الملايين من اللاجئين فى العالم.
وإذا استمر هذا الجنون، فإن نهاية الأونروا ستفتح فصلًا جديدًا أقوى يتعلق بحق عودة الفلسطينيين والفلسطينيات، وستنتقل المسئولية عنهم من مؤسسة إقليمية صغيرة نسبيًا إلى منظمة عالمية دافعت لفترات طويلة عن حقوق الإنسان وحق العودة فى حالات اللجوء الطويلة الأمد.
• • •
عندما تواجه الأونروا تهديدًا وجوديًا ويواجه اللاجئون الفلسطينيون الذين تقدّم إليهم خدماتها خطر "المحو الاستعماري"، فإننى أدعو الأمم المتحدة المسئولة عن عمل الأونروا إلى إحالة القضية على وجه السرعة إلى مجلس الأمن. كما أدعو جوتيريش إلى ممارسة صلاحياته وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، والتحرك لحماية الأونروا ودعمها باعتبارها الهيئة المسئولة وفقًا لتفويضها عن المحافظة على السلام والأمن الدوليَين.
بينما الشرق الأوسط فى حالة حرب، فإن الأمن والسلام الدوليَين فى خطر إذا سُمح لإسرائيل تدمير الوكالة التى ساهمت خدماتها فى ولادة رأسمال بشرى وأمل بمستقبل من السلام وسط هذه الجماعة الضعيفة والمستضعفة فى الشرق الأوسط منذ 75 عامًا.
كريس جانز
هآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية