رفضت مجموعة الدول الأقل نموًا عرض الدول المتقدمة بتقديم ٢٥٠ مليار دولار سنويًا للدول الأكثر تأثرًا بالتغير المناخى، والتى هى فى نفس الوقت الأقل مساهمة فى حدوثه، لأنها طالبت -أساسا- بحد أدنى يقدر بألف وثلاثمائة مليار دولار (من أصل تكلفة مقدرة تبلغ حوالى ثلاثة آلاف مليار دولار لتغطية تكلفة التحول للطاقات المتجددة والتكيف مع تبعات التغير المناخى). عادت الدول المتقدمة، وفى آخر لحظة كالعادة، ورفعت عرضها لثلاثمائة مليار دولار سنويًا تُقدم بداية من عام ٢٠٣٥. ويمثل هذا العرض أقل من ربع الحد الأدنى الذى طالبت به -عن حق- الدول الأقل تقدمًا.
عبرت وزيرة المالية الهندية فى مداخلتها، فى ختام المؤتمر، عن رفضها القاطع لهذا العرض. واستنكرت الطريقة التى يتعامل بها العالم الذى يطلق عليه متقدمًا مع المطالب العادلة للدول الأقل تقدمًا، والتى هى فى النهاية تصب فى مصلحة جميع سكان الكوكب.
شاهدت بعض اللقطات المصورة لمصريات، وهن يصرخن احتجاجًا على هذا الفشل الكامل لمؤتمر الأطراف فى باكو. كما عبرت الجمعيات الأهلية، وعلى رأسها شبكة العمل المناخى الدولية، عن رفضها الشديد والواضح لتلك الاتفاقية. ويمكن الرجوع إلى بيانها التفصيلى فى هذا الشأن. لم أطلع على موقف الوفد المفاوض المصرى ولكنى أرى أن ما حدث فى باكو بدأ من أسكتلندا مرورًا بشرم الشيخ ودبى للأسف، وربما أيضًا قبل ذلك.
كما أوضح فيلم وثائقى حديث لهيئة الإذاعة البريطانية، فقد خسرنا حوالى أربعة عقود فى مواجهة التغير المناخى، بسبب ما تفعله الشركات العاملة فى حقل النفط من حجب للأبحاث العلمية الخاصة بتأثير التغير المناخى أو التقليل من أهميتها وتمويل من يقومون بذلك على الساحة العالمية. إنهم ولا شك يدافعون عن وجودهم كشركات ومليارات الدولارت التى يجنونها سنويًا من عملياتهم فى مختلف أنحاء العالم، وما هو أهم بالنسبة لهم هو قيمة أسهم شركاتهم فى البورصات العالمية. النافذة الزمنية المفتوحة للتعامل مع التغير المناخى، كما أوضحت العديد من الدراسات، ضيقة للغاية ولن نتحمل ضياع أى يوم منها دون البدء بعمل حقيقى لمواجهة كارثة التغير المناخى وتدهور التنوع الطبيعى.
كتبت سابقًا هنا عن خطة مفصلة هى نتاج عدة سنوات من البحث والعمل للتحول المتجدد فى ميت رهينة، وسننشر فى خلال شهر كتابًا يحتوى على تفصيلات أكثر عن هذه الخطة، وأزعم أنه يمكن تطبيقها كمشروع تجريبى يتبعه مشروعات مشابهة فى الريف المصرى.
كتبت أيضًا بصورة مفصلة عن التحول فى منظومة الطاقة فى مدينة القصير، وهى أيضًا خطة نتجت عن سنوات من البحث والتجارب وتستند على ابتكارات مصرية مجربة، ويمكن أيضًا البدء فى تنفيذها ويتبعها مشروعات مشابهة، خاصة فى ساحل البحر الأحمر وساحل البحر المتوسط وأيضًا فى عديد من المدن الصغيرة الحجم فى مصر.
كتبت عدة مرات من قبل أن هذا التحدى الوجودى هو أيضًا فرصة عظيمة لنا لكى نتحول إلى طرق حياة واقتصاد أكثر استدامة وأفضل كثيرًا لصحة الإنسان والكائنات الأخرى فى البيئة. كما كتبت أن لدينا مما يمكن البدء به فورًا فى هذه المواجهة الكبرى بالصورة التى تأخذ مواردنا المحلية وظروفنا المركبة بعين الاعتبار. وأزعم أنه من الممكن البدء فى أماكن عديدة معًا وفورًا، وسيكون الريف المصرى ذا أولية أولى فى هذا العمل المناخى ليس فقط لكى نتمكن من مواجهة إشكاليات المياه من حيث الكمية والجودة وأيضًا إنتاج الغذاء ذى الجودة العالية، والذى يضمن لنا سيادة غذائية تقينا شر الصراعات العالمية الآخذة فى التصاعد، لكن أيضًا لتحقيق انتقال عادل يستفيد منه الجميع.
ما أتحدث عنه هنا ليس دراسات نظرية ولكن مشروعات أولية تم تجربة الأجزاء المهمة فيها، كما تم تصميم كيف يمكن توسيع نطاق هذه المشروعات لإيجاد ليس فقط شبكات من المشروعات التنموية المتجددة، لكن أيضًا لدعم البحث العلمى المرتبط بها، حتى يتم تطويرها بصورة أكبر فى المستقبل القريب.
يجب على الحكومة والمؤسسات المختلفة - خاصة الجامعات ومعاهد البحث - التعامل الجدى مع هذه التحديات التى تواجهنا، كما يجب على المجتمع المدنى أن يخترع وسائل للتعامل مع/ وإشراك الناس فى مختلف الأماكن فى مصر.
لا نملك أن نصمت حيال ما حدث فى باكو، لكن ردنا يجب أن يكون أفعالًا على أرضنا تنبت من قناعات وثقة بقدراتنا وأيضا من مسئوليتنا الكبرى أن نورث لأولادنا وأحفادنا أرضا قابلة للحياة.