استنساخ فرانكشتاين - محمد عبدالمنعم الشاذلي - بوابة الشروق
الأحد 15 ديسمبر 2024 1:48 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

استنساخ فرانكشتاين

نشر فى : الجمعة 6 ديسمبر 2024 - 7:35 م | آخر تحديث : الجمعة 6 ديسمبر 2024 - 7:35 م

فى سنة 1818 نُشرت رواية مارى شيلى الشهيرة «فرانكشتاين» عن العالم الطموح فيكتور فرانكشتاين، الذى أعاد الحياة لجثة فانية، وخرج من هذه التجربة وحشا بشعا أشاع القتل والدمار والرعب فى كل ما حوله، وبعد مرور ما يزيد على قرنين من الزمان أعاد النظام الذى نعيش فى كنفه التجربة، وأعاد إلى الحياة أدولف هتلر من الموت واستنسخه نظامين سياسيين يفصل بينهما قارة ومحيط ووحدّهم عقل واحد وأوهام وقناعات شريرة ومتطرفة.

•  •  •

أدولف هتلر وصل إلى حكم ألمانيا وقلبه مفعم بالحقد والكراهية لكل ما حوله: غل على فرنسا التى قبلت الهدنة من ألمانيا فى الحرب العالمية الأولى وأجبرها، فى عام 1940، على التوقيع على الهدنة فى نفس عربة السكة الحديد التى وقعت فيها الهدنة الأولى تنفيسا عن الغل الكامن فى قلبه رغم أن ألمانيا كانت الغازية فى المرتين.

غل على روسيا بسبب ذكريات الحرب العالمية الأولى وما رآه من الظلم والخيانة التى تعرضت لها ألمانيا فى معاهدة Brest-Litovsk، والتى خرجت فيها روسيا من الحرب ضد ألمانيا بعد الثورة البلشفية مقابل تنازلات مهينة، فضلا عن حقده على الحركة الشيوعية التى هددت اجتياح ألمانيا عقب هزيمتها فى الحرب العالمية الأولى.

أحقاد على بولندا وتشيكوسلوفاكيا والنمسا دفعته إلى غزو هذه الدول وإلقاء أوروبا فى خضم الموت والدم والدمار، حتى الشعب الألمانى نفسه لم يسلم من غله وشروره ويركز الإعلام الصهيونى على معاناة اليهود وحدهم رغم أن شروره طالت غيرهم مثل الرومانا والاشتراكيين الديمقراطيين، وأطلق شعار أن الجنس الآرى هو الجنس السيد Herrenrasse، وأن ألمانيا عليها أن تنقى شعبها بالتنظيف العرقى والترحيل القسرى ومعسكرات الاعتقال والحل النهائى فى أفران الغاز، وطرح أيضا الشعار الألمانى Lebensraum، وهو المجال الحيوى الذى تحتاجه ألمانيا والتى اغتصبته قهرا وعدوانا من جيرانها حتى تعيش وإن مات وفنى الآخرون. انتهى هتلر مذموما مدحورا فى مخبئه الذى دمر مع باقى ألمانيا، وانتحر مع حبيبته إيفا براون، وأوصى مساعديه بإحراق جثتيهما حتى لا يمثل بهما كما مثّل بجثة حليفه موسولونى وعيشقته كلارا بياتشى.

•  •  •

بعد ثمانين عاما من وفاة هتلر عاد فرانكشتاين مرة أخرى ليرجع المسخ إلى الحياة. فرانكشتاين الأول أعاد الجثة المترممة إلى الحياة بواسطة الكهرباء من ومضة برق فى السماء، أما المسخ الجديد فاستمد حياته من نظام دولى يسمح بعربدة دول مدعومة بأحد سدنة النظام المفروض أن يحافظ على السلم والأمن الدوليين.

سار المسخ على نهج سلفه فحول غزة إلى معسكر اعتقال فاق مساحته معسكرات داشاو وأوشفيتز، واستعاض عن أفران الغاز بالقنابل الفوسفورية. أعلن الصهاينة تطبيق الحل النهائى النازى والتنقية العرقية، جنس سامٍ متفوق على باقى البشر والويل لمن لم يعترف بذلك فلا أمان له أينما كان فى أركان الأرض الأربعة، استنسخ الجستابو والآس إس بالموساد والشاباك.

صال عملاؤهم وجالوا يقتلون ويسفكون الدماء فى أنحاء البسيطة، وعمل كما عمل هتلر فى أوروبا، فأرسل قواته لتشيع الدمار والرعب فى الدول المجاورة وبات ينادى مثله بضم أقاليم وأراضٍ من البلاد المجاورة، بعد أن ضم بالقوة مناطق فى السابق.

•  •  •

هل فرانكشتاين الحديث له قرين فى الجانب الآخر من العالم يشاركه الفكر العنصرى وينضح بالعنصرية ويصف المهاجرين من أمريكا اللاتينية إلى بلده بأنهم يلوثون جينات الشعب الأمريكى ويفسدون دمه، وأنهم مجرمون خريجو السجون ناسيا أن عتاة المجرمين فى التاريخ الأمريكى أمثال آل كابونى، وعدو الشعب رقم واحد جون ديلينجر وجيسى جيمس أصولهم أوروبية، وليسوا من أمريكا اللاتينية؟

هذا القرين اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، واعترف بضم الأخيرة للجولان السورى، ولعلى كمواطن عربى أجهر فى مقابل هذا الاعتراف - باعترافى بواشنطن عاصمة لتحالف قبائل الشيروكى والأباتشى وبولايتى كاليفورنيا وتكساس أراض مكسيكية.

كل ما حدث ويحدث ورآه النظام الدولى الذى أصبح فرانكشتاين المعاصر الذى عاد يستنسخ المسوخ التى تجعل العالم جحيما، وينشر النفاق الذى يذرف الدمع على ضحايا أوكرانيا المدعومين بأعتى الأسلحة، ولا يلتفت إلى ضحايا فلسطين العزل. النظام الذى يتباكى على حقوق الإنسان ويقف ساكنا على حق الجرحى فى غزة فى تلقى العلاج ومرور الدواء. النظام الذى يسمح لدولة وحيدة أن توقف إرادة العالم كله بحق شاذ فى ميثاق المنظمة التى من المفروض أن تحافظ على السلم والأمن والعدل من تحول العالم إلى مساحة من الظلم والعنف والحرب، الميثاق الذى ينص على تحريم استخدام القوة أو التهديد بها، فإذا بالعلاقات بين الدول باتت لا يحكمها إلا القوة والتهديد بها، النظام الذى يشاهد حملة تعبئة العالم ضد إيران، ويتحدث علنا عن ضربها بسبب برنامجها النووى رغم تأكيدها بأنها لا تنوى إنتاج سلاح نووى، والذى سبق وأن دمر العراق بسبب دعوات ثبت كذبها بأنها تعمل على إنتاج سلاح نووى، ثم يقف متفرجا على إسرائيل التى أنتجت أكثر من 200 رأس نووى وتهدد باستخدامها.

•  •  •

لم نتعلم من النظام الدولى السابق الذى حكمته عصبة الأمم وقاد العالم إلى كارثة الحرب العالمية الثانية، نكرر الأخطاء حتى بتنا على شفا كارثة أكبر، فهل نقف بسلبية منتظرين وقوعها؟ أم تثور أمم العالم المستضعفة على هذا النظام الفاسد الضال وتنهيه؟ كما قضى الناس على مسخ آخر رسمه خيال أديب فى القرن الـ19، «برام ستوكر»، الذى أنهى حياة مصاص الدماء دراكولا بعد أن ضاقوا بعنفه وظلمه وضحاياه.

محمد عبدالمنعم الشاذلي عضو المجمع العلمي المصري
التعليقات