نشرت صحيفة هآرتس مقالًا للكاتب جدعون ليفى، تحدث فيه عن تصريح موشيه يعلون، قبل أيام، الذى اتهم فيه حكومة نتنياهو بقيامها بجريمة التطهير العرقى ضد سكان قطاع غزة. ويَعَلون هو عسكرى وسياسى إسرائيلى، شغل من قبل منصب رئيس الأركان ووزير الدفاع، عضو سابق بحزب الليكود الذى انشق عنه عام 2017 إثر خلافات مع زعيمه بنيامين نتنياهو، معلنا فى يناير 2019 تأسيس حزب صهيونى يمينى وهو «حزب تلم» وترجمته «الحركة الوطنية لرجال الدولة».. وإلى أبرز ما جاء فى المقال:
الكراهية لبنيامين نتنياهو تفعل الأعاجيب. إنها تجعل البشر يبدّلون مواقفهم. تحوّل الذين كانوا مسئولين عن جرائم حرب إلى مناضلين ضدها. هؤلاء، يجب تقديم العون لهم، مهما كانت دوافعهم. فكل مَن يكشف، ولو للحظة، حقيقة ما ترتكبه إسرائيل بحق الشعب الفلسطينى، ويجرؤ على فضح هذه الانتهاكات علنا، فهو يقدم إسهامًا مهمًا فى النضال الدءوب واليائس ضد الأبارتهايد والاحتلال.
موشيه يعَلون يستحق الثناء على تصريحاته بشأن التطهير العرقى فى شمال القطاع. ها نحن نرى رئيس أركان ووزير دفاع سابق، يُعتبر من الصقور المتشددين، يتحدث عن تطهير عرقى. سيصعب تصنيف الرجل كعدو لإسرائيل، أو خائن لها، ومع ذلك، تمكنت ماكينات التحريض من استهدافه. ففى إسرائيل، لا حاجة حتى إلى هذه الماكينات، فرئيس الدولة يتسحاق هرتسوج، وزعيم المعارضة يائير لبيد، سارعًا إلى نفى وجود أى عملية تهجير جماعى. فكيف يمكن الحديث عن تطهير عرقى وهناك مئات الآلاف من الناس يسيرون فى طوابير لا تنتهى من النازحين، ووزراء الحكومة يعلنون أن هؤلاء لن يعودوا قط إلى منازلهم التى دمّرت بشكل منهجى - لكن، على الرغم من هذا، فإنه لا يوجد تطهير عرقى! فالدم ليس سوى ماء، وغبار أنقاض المنازل ليس سوى عاصفة رملية.
يَعَلون، الذى تحلّى بالشجاعة للحظة، سواء لأنه ليس لديه ما يخسره سياسيًا أو بسبب كراهيته لنتنياهو التى أفقدته صوابه، أو ربما، لأنه يشعر بصدمة حقيقية جرّاء ما يحدث فى غزة، لم يقطع سوى نصف الطريق. فقبل أيام، سارع يعَلون إلى التوضيح أنه لم يتهم الجيش بالتطهير العرقى، بل ألقى اللوم فقط على بن غفير، وسموتريتش، ودانييلا فايس (شخصية بارزة فى حركة الاستيطان فى الضفة الغربية). فالتهجير القسرى هو مشروع هؤلاء، وليس مشروع الجيش الإسرائيلى. حتى إنه كتب: «من حق الحكومة أن تقرر إخلاء غزة من العرب وتوطينها باليهود». يعَلون يرى أن للحكومة الحق فى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
فى سنة 2015، عندما كان يعَلون وزيرا للدفاع، أصدر قرارًا بشأن حظر نشاط منظمة «كسر الصمت» داخل الجيش. وبأمره، مُنع الجنود من الاطّلاع على شهادات زملائهم بشأن جرائم الحرب. لقد كانت المسافة من تلك النقطة نحو التطهير العرقى، قصيرة جدًا. فيعَلون، الذى يعترف بوجود تطهير عرقى، يُلقى باللوم على اليمين المتطرف. كلا يا يعَلون، الجيش ليس بريئًا. ليس بريئا بالمرة!
صحيح أن أتباع سموتريتش يُصدرون الأوامر، لكن الجيش ينفّذها بجذل، ومن دون تردد واعتراض، على الرغم من أن هذه الأوامر تمثل انتهاكًا أخلاقيًا. هذا ليس بجديد، لقد جرى هذا كلّه تحت قيادة يعلون فى عملية «السور الواقى»، وقبلها وبعدها. صحيح أن حجم الجرائم هذه المرة مختلف وغير مسبوق، لكن الجوهر الأخلاقى للانتهاكات لم يتغير: فكل شىء مسموح ضد الشعب الفلسطينى. لقد فعل يعَلون كل ما يمكنه فعله ضد هم، من دون أن يحتاج إلى سموتريتش فوق رأسه، وفعل الجيش كل ما يمكنه فعله، قبل قدوم سموتريتش، بل حتى قبل قدوم نتنياهو.
لم يعد فى الإمكان الادعاء أنه يوجد فاصل فى مجالَى المسئولية والذنب، بين الجيش والقيادة السياسية. فمثل هذا الادّعاء هو ملاذ الذين هم على شاكلة يعَلون، لكى يفلحوا فى تبرير جرائمهم وخداع الآخرين. عندما يقوم الجنود، بشكل روتينى، بإساءة معاملة سكان فلسطينيين أبرياء فى الخليل، حسبما كُشف فى تقرير بتسيلم قبل أيام، وتسمح قيادة الجيش بذلك، فإن الجيش بأكمله يتحمل المسئولية، وليس سموتريتش فقط. وهنا نتساءل: مَن هى الجهة التى تقوم الآن بتنفيذ التهجير القسرى الذى تحدث عنه يعَلون؟ إنهم جنود الجيش الإسرائيلى.
لقد اعترف يعَلون بجزء من الجرائم، وتخطى الحديث عن جزء آخر، لذا، له نزر يسير من الغفران. ستظل يدًا يعَلون ملوثتين بالدم الذى سفكه الاحتلال، إلّا إذا استجمع شجاعته وأدرك أن تلك الجرائم كلها، لم تولد فى زمن سموتريتش.