فاجأنا وزير الدفاع أفيجدور ليبرمان عندما حدد بصورة قاطعة سياسة إسرائيل تجاه سوريا بل وحدّثها. وقد جاء كلامه على خلفية الهجوم على المطار العسكرى القريب من دمشق الذى وقع قبل أيام. ونقلت وكالة الأنباء الرسمية فى سوريا عن مصادر عسكرية فى دمشق قولها إن إسرائيل أطلقت صواريخ من منطقة هضبة الجولان فى اتجاه أهداف فى المطار. وسبق ذلك تقارير صادرة عن وسائل إعلام عربية تحدثت عن هجوم نفذه سلاح الجو [الإسرائيلى].
إسرائيل كعادتها صامتة، ولا تعلق على التقارير. هى لا تنفى ولا تؤكد. وإذا كان قد جرى فعلا تنفيذ الهجوم بصواريخ أرض ــ أرض فهذه مسألة أخرى. صحيح أن إسرائيل ردت فى السابق بإطلاق صواريخ على مواقع تابعة للجيش السورى بالقرب من الحدود، ردا على إطلاق نيران مقصود أو انزلاق قذائف إلى أراضيها. وجرى الحديث ذات مرة عن صاروخ إسرائيلى قتل المخرب سمير القنطار الذى انضم إلى حزب الله، أثناء وجوده فى منزل سرى فى ضاحية دمشق. لكن يومها لم يكن واضحا ما إذا كان الصاروخ أُطلق من طائرة أو من الأرض. هذه المرة تدّعى سوريا أن ما جرى هو إطلاق صاروخ أرض من بُعد عشرات الكيلومترات.
لقد شدّد ليبرمان خلال اجتماعه مع سفراء الاتحاد الأوروبى على موقف إسرائيل التقليدى بعدم وجود أى نية لديها للتدخل فى الحرب الأهلية فى سوريا. ووفقا لكلامه، فإن تدخل إسرائيل يهدف فقط إلى المحافظة على مصالحها الأمنية ومنع انتقال السلاح من سورية (جزء من الأسلحة مصدره إيران وجزء آخر من جيش الأسد) إلى حزب الله.
فى الماضى قالت مصادر إسرائيلية إن إسرائيل تتخوف خاصة من نقل صواريخ بر ــ بحر من طراز ياخونت ومنظومات دفاع جوى (بطاريات صواريخ ومضادات للطائرات). وحتى هذا لا يعتبر خروجا عن المواقف التى عبّر عنها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق موشيه يعلون.
لكن ليبرمان أدخل معيارا آخر إلى موقف إسرائيل المعروف، فهو قال أيضا إن إسرائيل تعمل على منع انتقال سلاح دمار شامل من سورية. وعلى حد علمنا هذه هى المرة الأولى التى يتحدث فيها ناطق إسرائيلى رفيع عن ذلك.
من المعروف أن سورية تخلت عن سلاحها الكيميائى وفقا للاتفاق الذى تم التوصل إليه بوساطة روسية، لمنع وقوع هجوم أمريكى ضد نظام الأسد. وفى تقدير الاستخبارات الإسرائيلية فإن نحو 92 % من المخزون السورى جرى التخلص منه، وبقى لدى النظام ما يسمى «قدرة متبقية». ومن المحتمل أن هذا ما قصده الوزير ليبرمان فى كلامه. من الصعب التصديق أن سوريا نقلت أو ستنقل إلى حزب الله يوارنيوم من الكمية القليلة التى بقيت لديها بعد تدمير إسرائيل مفاعلها سنة 2007 ــ وفقا لمصادر أجنبية ــ أو سلاحا بيولوجيا، مع أن هذا ليس مستحيلا.
على كل حال، فإن الهجوم الأخير ــ المنسوب إلى إسرائيل ــ هو الثانى فى منطقة دمشق خلال الأيام العشرة الأخيرة، بالإضافة إلى هجوم آخر ضد تنظيم داعش بالقرب من الحدود. وإذا كانت التقارير صحيحة فيمكن أن نستخلص من ذلك أن إسرائيل تنجح فى المحافظة على حرية تحركها على الرغم من الوجود الروسى الكثيف وعلى الرغم من عمليات سلاح الجو الروسى فى أجواء سوريا، وعلى الرغم من منظومة الدفاع الجوية الروسية التى تغطى إسرائيل كلها.
ونظرا إلى أنه من الصعب أن نصدق أن إسرائيل يمكن أن تخبر مسبقا عبر قنوات الاتصال الخاصة التى أقيمت مع الروس عن نيتها شن هجوم، فإنه يمكن استنتاج أن إطلاق الصورايخ هو وسيلة ناجعة لتقليص خطر حدوث احتكاك مع الطائرات الروسية. لم تعلق روسيا ــ على الأقل علنا ــ على الهجوم المنسوب إلى إسرائيل، لذا يمكن تقدير أنها توصلت مسبقا إلى تفاهم فى هذا الشأن (وأن كل طرف يفهم ويدخل فى حساباته مصالح الطرف الآخر).
وعلى الرغم من وجود تنسيق وحتى تفاهمات صامتة، فقد أوضح ليبرمان فيما يتعلق بحل الأزمة فى سوريا، أن إسرائيل لا تتفق فى رؤيتها مع روسيا. لقد قال وزير الدفاع إن موقف إسرائيل هو أن إيران وحتى الأسد لا يمكن أن يشكلا جزءا من التسوية السياسية فى سورية تستطيع أن تنهى الحرب الأهلية. لقد دخل الرئيس الروسى فلاديمير بوتين إلى الحرب فى سورية من أجل تعزيز النظام فى دمشق، وهو استعان لهذه الغاية بالإيرانيين وبالميليشيات الشيعية التى تعمل تحت إمرتهم وكذلك بحزب الله. ولجميع هؤلاء الحلفاء غرفة عمليات مشتركة ويتقاسمون معلومات استخباراتية ومهمات قتالية.
حتى على هذا الصعيد، كان ليبرمان قاطعا فى تحديد موقف إسرائيل، وهو الذى حتى الآن لم يتحدث الناطقون بلسانه تأييدا للرئيس بشار الأسد أو ضده. علاوة على ذلك بدا فى الأشهر الأخيرة أن متخذى القرارات فى إسرائيل يسلمون بإنجازت الأسد العسكرية التى تعزز سيطرته على الدولة ــ وربما هم مسرورون بها.
يوسى ميلمان
محلل سياسى
معاريف
نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية