ربما إنسانيتنا.. ربما - خولة مطر - بوابة الشروق
الإثنين 23 ديسمبر 2024 3:58 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ربما إنسانيتنا.. ربما

نشر فى : الأحد 12 مارس 2023 - 8:10 م | آخر تحديث : الأحد 12 مارس 2023 - 8:10 م
جلسوا كلهم بعيدين عن هذا المكان، الشرفة قريبة من الوطن ولكنها ليست هو، تجمعوا حول مائدة عامرة وقبلها كثير من المقبلات والحديث الحميمى والشمس توشك أن تودعهم وهم جالسون مستمتعون بحضورها وبغيابها أيضا.
• • •

كيف تكتب اللغة سألها؟؟ لم تفهم هى سؤاله وربما لم تكن مهتمة به لأنها الآن واليوم فى عالم آخر. استمرت الشمس تحرقهم مرة وتنيرهم مرات وهى تسرع فى عودتها لمنزلها وهم أو هن نساء ورجال وآخرون من قال أن الكون مشكل من رجال ونساء فقط! فهناك أطفال وهناك ما بين بين!
• • •

أوشكت الشمس أن تعلن لهن جميعا غيابها منذرة بالقادم وهو فى هذه البلدة ظلام حالك، فلا ضوء بعد ضوء الشمس عند رحيلها إلى منزلها!!
• • •

كانوا شلة من هذا وذاك، أى بلد وبلد أو عرق وعرق أو حتى طائفة وأخرى، ما يهم أن كلهم أو كلهن يعرفون بعضهم منذ سنين طويلة، كما هم لم يتعرفوا على بعض بهكذا تعريف «مرحبا أنا لبنانية مارونية، أو أنا لبنانية شيعية من جنوب لبنان، أو حتى أنا من الخليج الذى لا تعرفونه، أو من تونس التى لم تعد خضراء كما كان يقال لكم، ولا حتى من المغرب العربية فهناك أمازيغ فى المغرب هل تعلمون؟ جلسوا يستمتعون بأطباق من الأكل متنوعة كما هم وكثير من الحب وبعض من الشراب الذى يكون هنا وهناك!
• • •

كانت أصوات ضحكاتهم تصل إلى آخر ذاك الشارع المتنوع الذى لا يشبههم وهم يكثرون من النكات والحديث حتى جاء صوت الجامع الأول فسكتوا مصغيين، ففى حيهم أكثر من جامع لأكثر من طائفة.. التزموا جميعا بأديانهم وطوائفهم بإعلان الصلاة تلك وبعد لحظات عندما سكت صوت الآذان أو الدعوة للصلاة عادوا للأحاديث لبضع لحظات قبل أن يعاد الآذان الآخر لنفس الصلاة! سكتوا هم وهن وأصغوا احتراما وتقديرا. بعدها وبعد أن سكتت أصوات المآذن على اختلاف أطيافها وطوائفها جاءت صلوات أخرى، ففى هذا البلد توجد أديان ومذاهب مختلفة.
• • •

بقوا هم شلة من النساء والرجال فى منتصف العمر أو بعضهم فى آخرها أو أولها محترمين لكل الأديان والطوائف والطقوس ووقف أحدهم ليردد متى يحترمون هم (الآخرون) ما نؤمن نحن به بعيدا عن الدين أليس هناك الكثير وهو لا يمت للدين بصلة؟ ألسنا جميعا بشرا ننتمى لهذا الكون وبه أكثر من الدين والطائفة التى قُتل ومات منا الكثيرون بسببها؟
• • •

لم تتوقف الأصوات عبر مكبرات الصوت التى يملكونها هم بكل قدراتهم وسطوتهم وبقينا نحن نتساءل، أليس الدين والمذهب هما جزء بسيط من تكوين الفرد وليسوا كله؟ أو أنهم أصبحوا كل ما يمثل الإنسان أينما كان؟ فالإنسان ليس هو طائفة أو دين فقط ولا هو عائلة أو قبيلة ولا حتى ما يراه الآخرون بل هو أبعد من ذلك بكثير ولكننا لا نراه إلا بتلك المقاييس الضيقة، فإما هو من عائلتى أو قبيلتى أو طائفتى أو بلدى وإلا فهو ليس منى أبدا.
• • •

ترحل السنون ليعرف هو ونعرف نحن وهم أن العالم أوسع من كل هذا المحيط الضيق الذى خلقوه أو خلقناه نحن وأن الكون أوسع من فكره قبل أن يكون أوسع من طائفة أو دين وهو أيضا وبالتأكيد أوسع من بلد وتضاريس جغرافية وبعض تاريخ يروى ربما يكون صحيحا وربما وكثيرا ما يمكن أن يكون مجرد رواية لشخص واحد وهذا لا يعنى أنها الرواية الواقعية.
• • •

تعود للجمع فى تلك الشرفة المطلة على البحر الواسع والشمس توشك على توديع يومها الطويل بتثاؤب وبطء، وأنت وهم ما زلتم تضحكون بعض الشىء وتعرفون أنكم أقرب من ما كان يقال لكم من أحاديث عن قرابة الدم والعرق والعائلة.. شىء ما أعمق من كل ذلك هو ربما مجرد إنسانيتنا التى تبقت بعد أن تلاشى كل شىء جميل آخر.. ربما.
خولة مطر  كاتبة صحفية من البحرين
التعليقات